Thursday, March 21, 2019

ليوناردو دافنشي: رحلات العقل - 7 - أولى اللوحات





ليوناردو دافنشي: رحلات العقل

7- أولى اللوحات
في صيف 1472، وفي عمر العشرين، كان ليوناردو قد اكتسب عضوية جمعية رسامي فلورنسا، شركة سان لوقا. وقد بينت سجلات الشركة أنَّ ليوناردو دي سيربيرو دا فينشي الرسام قد دفع 32 قطعة نقدية مقابل امتياز العضوية. وهذا المبلغ يتضمن 16 قطعة نقدية عبارة عن اشتراك سنوي، يتم سدادها على دفعات شهرية من أول يوليو 1472 وعشر قطع نقدية كمساهمة في رعاية الشركة في يوم عيد القديس لوقا، في الثامن عشر من أكتوبر. والقديس لوقا الذي كان من المفترض أن يكون قد رسم لوحة شخصية للسيدة العذراء،هو القديس الحامي للرسامين. وقد حاز على العضوية في تلك السنة أيضاً فيروكيو، وبوتشيلي، وبيروجينو، ودومينكو، وغيرلاندايو، والأخوان بولايولو، وفيلبينو ليبي: نخبة الرسم الفلورنسي في بدايات سبعينيات القرن الخامس عشر. 
وبتأسيسها في منتصف القرن الرابع عشر، كانت شركة سان لوقا مجموعة واسعة، أو جمعية للرسامين على اختلاف مجالاتهم. وقد كانت هناك شركات أخرى تأسست في سيانا وميلانو، وكانت هناك أنواع أخرى في باريس وروما ولندن. (آخر هذه المجموعات كانت هي نادي القديس لوقا، والذي يدعى أيضاً نادي المواهب، وقد تم تأسيسه  في عام 1638 من قبل أنطوني فان ديك، واجتمع في حانة الورد الكائنة في شارع فليت.)
الشركة الفلورنسية الأصلية كانت ذات صبغة دينية، ولكنها أيضاً كانت بالأساس نادياً للفنانين، وليس هناك أدنى شك بأنّها كانت تمت إلى صناعة الترفيه بصلة ما.  لقد كانت مستقلة عن نقابة الفنانين، ونقابة الأطباء والصيادلة، بيد أنّها كانت تتقاسم مع النقابة بعضاً من وظائفها. والكثير من أعضائها كانوا أيضاً أعضاء في النقابة، ولكن هذه العضوية لم تكن ملزمة (كما يبدو من ظهور فيلبي ليبي في سجلات عام 1472، في حوالي الخامسة عشرة من عمره وأصغر من أن يكون عضواً في نقابة ما). وفي الحقيقة كانت سطوة النقابة على الشئون الفنية في تدهور كبير، وقد فضّل كثير من الفنانين ألا ينضموا إليها. ويعزى هذا التراجع بشكل كبير إلى الحركة الزائدة للفنانين سعياً وراء الرعاية المادية: فقد كانت النقابات عبارة عن محاور صارمة للتأثير المحلي، وقد تحول الفن إلى سوقٍ محلي وعالمي. فنحن لا نعرف إن كان ليوناردو قد اكتسب عضوية نقابة الأطباء والصيادلة أم لا- فسجلات النقابة مجزأة- ولكن ليس هنالك بالمقابل أي دليل على أنّه لم يفعل.
كانت سجلات شركة القديس لوقا هي الأخرى لم تخلُ من رقعٍ ورتقٍ، وليس من الواضح لماذا تم تسجيل هؤلاء الفنانين كأعضاء في السنة ذاتها، ربما كانت هناك فجوة في أنشطة الشركة. ومع ذلك فإنَّ ظهور ليوناردو في كتاب الشركة الأحمر لهو مؤشر ملموس للتأريخ الضبابي لتطوره الفني. وبحلول منتصف عام 1472 كان قد أصبح  رساماً مزاولاً لمهنته dipintore.  
ماهي اللوحات الكاملة التي أنتجها ليوناردو بحلول هذا الوقت؟ هنالك عدة احتمالات ( بخلاف اسهاماته في لوحة توبياس فيروكيو،التي كانت ساحرة ولكنها محدودة)، والأكثر وضوحاً هي البشارة، الآن في الأوفيزي (لوحة5). فهي قد رسمت على الأرجح لدير بارتولوميو في جبل اوليفيتو، في الهضاب الجنوبية الغربية من فلورنسا. وكانت بالتأكيد ما تزال هناك حتى أواخر القرن الثامن عشر، عندما جرى توثيقها لأول مرة.  وفي عام 1867 تم شراؤها من قبل متحف أوفيزي؛ وفقاً لديباجة على ظهر اللوحة، وكانت عندئذٍ معلقة في خزانة في سان بارتولوميو. وبنيتها المستطيلة تشير إلى أنّها ربما تم تصميمها لتوضع فوق أثاث الخزانة: وهنالك نسخة تقطيب بالشكل ذاته من لوحة البشارة بريشة غيوليانو دا مايانو في الخزانة الشمالية لكاتدرائية فلورنسا. وقد كان من المعروف أنَّ دير سان بارتولوميو قد أعيد بناؤه جزئياً في 1472- وتنسب البوابة لميكلوزي، وتحمل هذا التأريخ- وربما كانت تنفيذ اللوحة تكليفاً كجزء من عملية إعادة الإعمار. وصار الدير اليوم مستشفىً عسكرياً.
وقبل نقلها إلى أوفيزي كان يعتقد أنَّ اللوحة من عمل دومينيكو غيرلاندايو. وقد نسبت في البداية إلى ليوناردو في دليل الأوفيزي لعام 1869. وقد تم قبول نسبتها إليه على مستوى عالمي تقريباً، بيد أنّه ما زال هنالك واحد أو اثنان من المشككين من دعاة التنقيحية. وما تشير إليه الشكوك بكل وضوح هو صعوبة تمييز أسلوب العمل: إنّه ليوناردو اليافع، ما زال من الواضح أنّه متأثر بورشة فيروكيو، وأساليبها وتقنياتها السائدة. ويلخصها ديفيد ا. براون بجمال:" جمع القطع الابتكارية والغنائية مع الاستعارات والأخطاء، البشارة هي عمل لفنان عظيم الموهبة ولكنّه ما زال يفتقر إلى النضج."  وقد كان الاستلاف واضحاً في وجه وتلوين العذراء، وفي الأصبع الصغير المرفوع من يدها- إنّها نمطية فيروكيو في أكثر صورها جلاءً- وفي الزخرفة التي استخدمت لتزيين المنبر، والتي تعكس عمل فيروكيو على توابيت آل ميديشي الحجرية في سان لورينزو، والتي اكتملت في عام 1472.  وقد كانت الأخطاء في المقام الأول في مجال المنظور. شجرة السرو اليمنى، على سبيل المثال، كانت تبدو في المستوى نفسه مع أشجار السرو الأخرى، ولكن قراءتها هكذا ستجعل الحائط المنحسر بجانبها طويلاً لدرجة غير معقولة. وعند التعمق في النقد نرى العلاقة المكانية بين العذراء والمنبر غير منطقية. عند النظر من قاعدة التمثال إلى الأعلى، فإنَّ المنبر الأقرب إلينا منها، ينبي أن يكون أبعد منا عند النظر من يدها اليمنى إلى الأسفل. ولقد جعل يدها اليمنى تمتد بشكل غير متناسق كنتيجة لهذا التردد. ويقع هذان الخطآن كليهما على الجانب الأيمن من اللوحة. أما الجانب الآخر- الملاك، والحديقة، والمناظر الطبيعية- تبدو أغنى وأكثر إتقاناً. ولقد خُيل أنها ربما رُسمت في أوقات مختلفة. أما اللوحة ككل فهي ذات أسلوب جاف ومتخشب، وتستمد تأثيرها من جمال الملاك اليافع ومما يسميه مارتن كيمب "قصر نظر تركيزها" على تفصيل منفرد.   
كان الموضوع واحداً من أكثر المواضيع شيوعاً في فن عصر النهضة، وربما كان لكل فنان يرسم على الورق نسخة أو أكثر منه. فهو يعظٍّم اللحظة التي زار فيها الملاك جبرائيل مريم الفتاة، وأخبرها أنّها سوف تصبح أم المسيح (لوقا الإصحاح1: العدد 26-38). أما النص فقد كان موضوعاً لكثير من التأويل من قبل المؤرخين والوعّاظ، الذين فسروا  "صفات" العذراء الخمس أثناء الحوار الذي أورده لوقا- مضطربة أو [بالإيطالية "conturbatio"] (" كانت مهمومة")؛ و في حالة تأمّلٍ أو [cogitatio] ("فهي حائرة البال لا تعرف أي نوع من التحايا قد يكون هذا؟")، وهي كذلك تتساءل [interrogatio] (" كيف لهذا أن يكون، فأنا أعرف أنَّ ما أرى ليس  بإنسان؟)؛ و هي مستسلمة [humiliatio] (" أذكري نعمة ربك يا أمة الله")، و هي أيضاً جديرة أو [meritatio]، وهذا يصف حالتها من الغبطة والتطويب بعد أن غادر الملاك. ويمكن رؤية أنَّ لوحات البشارة المختلفة تركز على "صفات" مختلفة.عليه فلوحة فيلبي ليبي في سان لورينزو تعبر بكل وضوح عن مريم المضطربة، كما تفعل لوحة بوتشيلي في الأوفيزي (التي انتقدها  ليوناردو بسبب المبالغة في الإشارات- أي بكلمات أخرى الاضطراب الزائد)، وبينما تركز لوحة فرا انجيليكو في سان ماركو على خضوعها.  وتبين هذه اللوحات الارتباط الرائع بين لاهوتية المنابر والثراء البصري للمرسم، ولكن تفسير بشارة ليوناردو يبدو أكثر صعوبة: فرفع اليد اليسرى يشير إلى بقية من ارتباك، بينما القسمات الهادئة لوجه العذراء الأسيل فتشير إلى سريان السكينة. فهنالك إذن بصيص لدينامية نفسية، لتلك الأحداث الذهنية أو كما قال [accidenti mentali] والتي سعى ليوناردو للتعبير عنها في أعمال ناضجة مثل العشاء الأخير، والعذراء والطفل مع القديسة آن. فنستشعر هنا قصة تكشف عن نفسها، وأشياء مضمرة متتالية، جميعها تحدث في حدود اللحظة التي تسجّلها اللوحة. قد جُسِّد هذا أيضاً بتلك اليد اليمنى المرتبكة: إنّها تمسك بذلك الكتاب مفتوحاً، والذي كانت العذراء تقرأ فيه قبل وصول الملاك. فهذا يضفي عامل الفجاءة على هذا الحدث الأصيل: زيارة الملاك ما زالت إحدى المقاطعات العابرة. أما الكتاب نفسه فهو جزء تقليدي من مجموعة صور البشارة: تقرأ مريم نبوءة من العهد القديم حول مقدم المسيح. وكان القصد من مظهر الصفحة أن يشير إلى اللغة العبرية، لكن النصف في الحقيقة ضجة بصرية- تركيبات من الحروف لا معنى لها. فإنْ نظرتَ إليها عن كثب، فقد ترى في أحد السطور بضعة حروف فقط "m n o p q". وكذلك زهور الربيع وأعشابه الصاخبة في مقدمة اللوحة لا تخرج عما هو مألوف. فعيد البشارة كان في يوم 25 مارس، وهو مرتبط بموسم الربيع (الموقع الإنجيلي للمناسبة، الناصرة، يعني في اللغة العبرية "الزهرة"). فالزنبقة في يد الملاك ترمز لهذا، وقد برزت في الفن الفلورنسي بشكل خاص لأنَّ الزنابق تدخل في تصميم البزّة العسكرية لجيش المدينة. وقد كانت معالجة ليوناردو في أحد مناحيها غير نموذجية على ما يبدو بأية حال. وقد تحدث الواعظ فرا روبيرتو كاراكول عن أنّ للفنانين "رخصة لمنح الملائكة أجنحة ليدللوا على تقدمهم السريع في كل الأمور"، ولكن يبدو أنّه قد كانت هنالك قناعات حول هذا الأمر. فقد أعطى ليوناردو ملاكه أجنحة قصيرة وقوية- أجنحة "طيور" حقيقية- ولكن زُيدت أطوالها لاحقاً من قبل شخص مجهول ولم تكن حتى يداً متعاطفة. الامتداد بلون كستنائي باهت، ينفذ إلى طبقة أعمق من سطح من المنظر الطبيعي، وهو الشيء الواضح أثرياً من خلال سطح طلاء الإضافة. 
ومن بين لوحات العذراء والطفل التي صدرت من ورشة فيروكيو في بداية سبعينيات القرن الخامس عشر، كانت واحدة يزعم بشكل خاص أنّها بيد ليوناردو. وهي لوحة سيدة القرنفل  وهي الآن في المتحف القديم بمدينة ميونخ. فأسلوب رسم السيدة بشكل عام ينتمي إلى فيروكيو- السحنة الشاحبة الشمالية، والنظرة، وعقصات الشعر الأشقر، والعيون الناظرة إلى أسفل- ولكنها كانت تشبه إلى حد كبير السيدة العذراء في لوحة البشارة التي رسمها ليوناردو. فهما ترتديان الثوب الأزرق الداكن في اتزان مع الأكمام الحمراء، والعباءة الذهبية ذاتها. والدبوس ببريقه الزبرجدي ذي الدلالة العميقة، إنّها علامة ليوناردو الدامغة للمستقبل، كما في سيدة بنوا، وعذراء الصخور، وربما كانت السمة الغالبة هي دراما المنظر الطبيعي التي تُرى من خلال الرواق من خلفها- مدىً من القمم الصخرية المسننة الوعرة المختلفة كلياً عن الخلفيات التوسكانية الرصينة التي تظهر في إنتاج الورشة الآخر، ولكن سمة كهذه ظهرت في لوحات ليوناردو اللاحقة مثل لوحة السيدة التي تغزل النسيج، والقديسة آن، والموناليزا.

لوحة ليوناردو دافنشي، سيدة القرنفل
وتظهر آنية للزهور في مقدمة اللوحة، تكاد أن تدفع بعيداً بمرفق الأم. هذا الشيء يساعد على تعريف لوحة ميونخ على أنّها هي التي يصفها فازاري في كتابته عن حياة ليوناردو بعبارة "سيدة جميلة جداً وقارورة ماء(carafe) بها بعض الزهور". فكلمة caraffa تصف بدقة النوع من القوارير الزجاجية المتسعة البطن والذي يظهر في اللوحة. ويتمادى فازاري في مدحه لقطرات الندى على الزهور، والتي هي " أكثر قدرة على الإقناع من الزهرة الحقيقية"، ولكن اللوحة في حال سيئة ولم يعد هذا التفصيل مرئياً. وينسب فازاري اللوحة دون شك لليوناردو، ويصنفها ضمن ما أنتجه خلال سنواته مع فيروكيو. كما أنّه يقول إنّها آلت إلى ملكية البابا كليمنت السابع. فقد كان كليمنت ابناً غير شرعي لغوليانو دي ميديتشي، الأخ الأصغر للورينزو، وكان غوليانو واحداً من رعاة فيروكيو، ومن الجائز أنّ اللوحة قد كانت تكليفاً من قبله. اعتقد كينيث كلارك أنَّ اللوحة "تفتقر إلى الجمال"، ولكنه لم يشك في نسبتها لليوناردو- " في اللوحة حيوية غير محببة لعبقري غرٍّ".   
وجوهرياً نجد أنَّ التفاصيل الليوناردية التي تتلاءم مع لوحة البشارة، أول ما أسنده إليه فازاري: تمثل إثباتاً قوياً لسيدة القرنفل كعمل أصيل ليوناردو في بداية سبعينيات القرن الخامس عشر. ثم لوحة أخرى للسيدة والطفل على طراز فيروكيو والتي في بعض الأحيان تنسب إليه وهي سيدة الرمان في المعرض الوطني بواشنطن العاصمة، والتي تسمى أيضاً السيدة دريفوس على اسم أحد ملاّكها السابقين. وهي فعلاً من اللوحات المحببة، ولكن ليس هنالك شيء يدل على أية صلة لها بليوناردو. وقد اعتقد كلارك أنّها عمل قديم للورينزو دي كريدي، فنعومة واستدارة المحاكاة تذّكرنا بأسلوب ليبّي، وتشير مرة أخرى إلى تأثير بوتشيلي في تشكيل الأسلوب الفيروكيوي. 
ومن هذه الفترة أيضاً، بدأ التعاون الشهير بين فيروكيو وليوناردو، فلوحة معمودية المسيح الرائعة موجودة الآن في الأوفيزي (اللوحة 7). وقد رسمت لصالح كنيسة سان سالفي- وأخ فيروكيو الأكبر سيمون دي شونه، كان رئيساً لدير الرهبان فيها، وربما كان له دور في هذا التكليف.  ويصورها فازاري على أنّها كانت آخر لوحات فيروكيو.
كان اندريه يعمل على صورة لوحة لمعمودية المسيح على يد يوحنا المعمدان، والتي رسم لها ليوناردو ملاكاً يحمل بعضاً من الثياب، وعلى الرغم من عمره الصغير فقد أنجزها بصورة جيدة إلى حد أنَّ الملاك كان أفضل بكثير من الشخصيات التي رسمها أندريه. وقد كان هذا هو السبب في أنَّ أندريه لم يمس الألوان بعدها أبداً- فقد كان يشعر بالعار إذ أنَّ صبياً كان يعرف كيف يستخدمها أفضل منه.
وهذا نوع متحرك من الحكايا، ولا يجب أن يؤخذ على عواهنه. فليوناردو كان على الأرجح في حوالي الحادية والعشرين من عمره عند اكتمال هذه اللوحة، وعليه فهو لم يك "صبياً". ومن المؤكد جداً أنّه قد رسم المنظر البعيد المبهم في الخلفية على الجانب الأيسر من اللوحة كانعكاس لطبوغرافيا لوحة "سيدة الثلوج" الموجودة في الأوفيزي، والتي يعود تأريخها إلى 5 أغسطس من عام 1473- وبصلة وثيقة جداً بلوحة المعمودية.
ولم أك سعيداً للغاية مطلقاً بالفكرة التقليدية، التي سنّها فازاري وأصبحت مذاك تُعاد وباستمرار كثيراً أو قليلاً، أنَّ ملاك ليوناردو الجاثي هو أفضل ما في اللوحة وهو يتفوق به على عمل معلمه ويجعله يبدو أمامه وضيعاً غير ذي بال. فهذه تبدو مبالغة في تقدير عمل ليوناردو، فالشخصيتان الاساسيتان، واللتان هما من صنع فيروكيو حصرياً قويتان جداً- فمظهر المعمدان الرشيق والخشن، والمسيح بقسماته العادية المتواضعة المتوسطة الجمال (يأتي شكل الوجه من هولاندا، مثل السيدات الشقر). لقد أذهلني أيضاً جمال قدمي المسيح، كما تبدو تحت مياه نهر الأردن، أو في الحقيقة هو غدير يجري فوق حوض من الصخور البنية المحمرة. فملاك ليوناردو بديعٌ بلا شك، بشعره الذهبي دقيق التجاعيد، والتفاتته اليقظة. إنّه يظهر بالفعل إتقاناً للمحاكاة والحركة أكثر من معلمه، والذي ظلّ مشدوداً إلى الأنماط النحتية. (لشخصية المعمدان علاقة وثيقة بتمثال فيروكيو البرونزي للمسيح في اورسانميشيله.) ولكن الدراما الإنسانية، والنبوءة المأساوية، وحس القوة العظيم كلها قد وضعت على المحك- وهي جميعها فيروكيوية. وإن افتقرت شخصيات لوحاته إلى شيء من الأسلوب، فما يعوزها بالقطع ليس القوة الأساسية للمشهد. وبجانب ذلك يبدو ملاك ليوناردو لامعاً ولكن ربما يعيبه شيء يسير من السطحية: عمل يستحق جائزة لشاب موهوب. 


------------------------------------------------
 ليوناردو دافنشي: رحلات العقل
تأليف: تشارلز نيكول
ترجمة: أميمة حسن قاسم
محاولة استعادة شيء من ليوناردو الإنسان هي مهمة هذا الكتاب- ذلك هو، ليوناردو الإنسان الحقيقي، الذي عاش في وقت حقيقي، وأكل أطباقاً حقيقية من الحساء، مقابل ليوناردو الرجل الخارق، متعدد التخصصات.
بتكليف ورعاية من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، وبدافع من حب المعرفة والسعي لنشرها  قامت القرية الإلكترونية بتوفير هذه النسخة من كتاب ليوناردو دافنشي: رحلات العقل | تأليف: تشارلز نيكول | ترجمة: أميمة حسن قاسم
وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في جوجل بلس نأمل أن تحوز إعجابكم وأن تكون مساهمة في #نشر_المعرفة
صفحتنا الرسمية في فيس بوك :
منصتنا في جوجل بلس لمتابعة باقي مشروعاتنا 
(جميع الحقوق محفوظة)

No comments:

Post a Comment