Tuesday, March 19, 2019

ليوناردو دافنشي: رحلات العقل - 5 - المدونات الأُوَلْ





ليوناردو دافنشي: رحلات العقل

5-المدونات الأُوَلْ

أولى المدونات التامة لليوناردو والتي نعرفها تعود إلى منتصف ثمانينيات القرن الخامس عشر. ومعظم الوثائق والرسوم التمهيدية التي تفحصناها حتى الآن هي أوراق منفصلة تم تثبيتها معاً، أو أخرى ذات تنوع كبير، أو محفوظة ضمن مجموعات مثل المجموعة التي في كلية كنيسة المسيح بأكسفورد. وربما كان بعضها في الأصل جزءاً من كشكول أو دفتر رسم، ولكن بحسب الدليل المتوفر فإن ليوناردو بدأ "كتابة" المفكرات حوالي منتصف ثمانينيات القرن الخامس عشر. وهنالك حسٍ بالتقارب مع الكلمة المكتوبة، حلٌ للمشاكل والحسرات حول طبيعة تعليمه، وعن كونه "omo sanza lettere" . 
ويبدو هذا في بعض منه كفاءة تقنية، فقد أصبحت الكتابة اليدوية بالنسبة لليوناردو أكثر سرعة واقتضاباً، لقد فقدت ما يسميه أوغستو مارينوني ال"إسهاب والزهرية" اللذان كانا يميزان خط يده في البداية.  
أقدم المدونات الناجية على الأرجح هي مخطوطة باريس ب، في معهد فرنسا. إنّها مؤرخة في 1487-1490، بيد أنّه ربما كانت هنالك صفحة أو اثنتان أقدم من البقية.   وهي كرّاسة عادية أو دفتر: أبعاد صفحاتها 9×6.5 بوصات، وهي أقرب إلى قياس ورقة الخطاب المعروفة اليوم. وقد صمدت بغلافها الجلدي الأصلي، وبه طية تغلق بواسطة أنشوطة ومسمار. فهي سليمة في الغالب من الناحية التركيبية، ولكنها في الحقيقة مقسمّة إلى جزئين. فقد كانت الكرّاسة الأصلية من مائة صفحة، ولكنها في أربعينيات القرن التاسع عشر صارت هدفاً من أهداف الكونت ليبري قرصان الكتب، والذي اقتطع آخر مجموعة (الصفحات 91-100) وباعها، مع بعض المسروقات الأخرى، إلى مهووس المكتبات الإنجليزي اللورد أشبيرنهام.  وقد أُعيدت الصفحات إلى باريس، ولكنها ما زالت في مجموعة منفصلة عن بقية الكرّاسة.
مواضيع المخطوطة ب تمتاز بالتنوع لدرجة مذهلة. فالكرّاسة المجمعة هي ليست سوى نسق يستوعب التنوع، والذي يجمع بين الاهتمامات المتناقضة- أبلغ تعبير عن الشغف الليوناردي. فهي تشتمل على مادة في المعمار، بما في ذلك المدينة الفاضلة المستقبلية، وبعض التصميمات لكنائس. كما أنّها تناولت موضوع التقنية العسكرية بقدر لا بأس به، على المستويين العملي و"المستقبلي". وهنالك غواصات، ومركبات غريبة الشكل للهجوم سراً، " مفيدةٌ لإحراق الجسور ليلاً؛ ينبغي أن تكون الأشرعة سوداء اللون".  وهنالك الآركيترونيتو، مدفع نحاسيّ يعمل بالبخار، والذي يزعم ليوناردو أنّه استلهمه من أرخميدس: عندما تصب المياه في الفتحة المسَخّنة تندفع قذيفة المدفع بقوة ضغط البخار- "سيبدو منظر ضراوته وصوت هديره مثل إحدى المعجزات."   ودائماً ما كان هنالك حس درامي في آلاته العسكرية: "مسرح الحرب". وفي مكان آخر هنالك عمال أشدّاء يكدحون، وجندي يتشبث بجدار. وجميع هذا ذو صلة بتطلع ليوناردو المستمر إلى دور المعماري والمهندس لدى سفورزا. 
والطيران ما يزال شغله الشاغل. في المخطوطة ب نجد تصميمات مفصلة لطائرة ليوناردو الكلاسيكية، والتي أطلق عليها " أورنيثوبتر[ornithopter] أي المرفرفة" اسماً على مسمى- وهي آلة تستخدم أساسيات تحليق الطيور، وللتمييز بينها وبين الطائرة العموديةhelicopter، والتي تستخدم مبدأ البرغيّ أو المروحة. (العنصر الثاني في هاتين الكلمتين مشتق من المرادف اليوناني للجناح [petron]). وسلسلة مثيرة من الرسومات تمتد في الصفحات من 73 إلى 79، يعتقد البعض أنّها الأكثر انسجاما وتماسكاً من بين جميع تصميماته للآلات الطائرة. وهي تشتمل على نسختين من "الأورنيثوبتر الأفقية"، والتي يتخذ فيها القبطان وضعاً أستلقاء على بطنه وجهاز الجناحين مثبّت على ظهره، مستخدماً البدّالات والمقابض لرفع وخفض الجناحين، والتحكم بالتوجيه باستخدام أسلاك وأذرع. وفي الرسم الموجود على صفحة 75، يضيف ليوناردو اختراع "الدفّة المحمولة على العنق"- وهي ذيل طويل ذو زعانف وبه حبل أو قضيب رابط يمتد على طول الآلة ليلتف حول عنق القبطان. وفي الصفحة 79 يرسم شكلاً تمهيدياً لطائرة مرفرفة أفقية مختلفة، ولكنها أكثر تعقيداً وأقل معقولية من النسخة السابق، ثم على ظهر تلك الصفحة نشاهد "مرفرفة عمودية" ذات شكل أكثر جمالاً، والتي يتخذ قائدها وضعية الوقوف داخل مقصورة أو قمرة، ويتحكم بأربعة من الأجنحة الضخمة التي تمنح المركبة شكلاً أشبه باليعسوب. يرفرف زوجي الأجنحة الأثنين " بالتبادل، كما يسير الحصان". ويستخدم القائد رأسه أيضاً مثله مثل اليدين والقدمين ليحرك آلية الجناحين الإنزلاقية: ويقدّر ليوناردو قوة الرأس اللازمة، " يجب أن تكافيء 200 رطل". وطول المقصورة حوالي 20 ذراعاً (40 قدماً)، وامتداد الجناح 40 ذراعاً. وتبين صفحة لاحقة منصّة الإطلاق: رصيف على درجات مستطيلة، يبلغ ارتفاعها 20 ذراعاً. (هذا الرقم ومضاعفاته يتكرر على طول تجارب آلة الطيران) ونجد هنا أيضاً توظيفاً للتماثل مع الطيور: " أنظر إلى السمامة، التي توضع على الارض لا تستطيع الإقلاع لأن ساقيها قصيرتان...فهذه الدرجات بمثابة الساقين." 


الأورنيثوبتر. تصميمات طائرة من مخطوطة باريس ب، تبين النسختين الأفقية والرأسية
وبينما تقفز كلمة "الخيال العلمي" إلى الذهن عند النظر إلى الآلات العسكرية- ناهيك عن هيث روبينسون". هل صُنعت هذه الآلات أبداً، أم هي أضغاث أحلام ممعنة في تفاصيلها؟ ولا واحدة من هذه الرسومات "منتهية التصميم، ومكتملة وواضحة" يقول مارتن كيمب، فهي تشكّل حواراً لم ينته حول الطرق والوسائل".  ولكنّها لم تكن محض تنظير- فهنالك رسم درامي على ظهر صفحة 88 يبين جناحين صناعيين عظيمين تحت التجربة. ورجل يناضل ليعالج ذراعاً خشبياً يدفع الجناح للخفقان. وتقول التعليمات:
إن كنت تريد تجربة الأجنحة بشكل سليم فاصنع الجناح من الورق، وركبه على هيكل من الشبك والعصي، بطول 20 ذراعاً والعرض كذلك. وثبته إلى كتلة خشبية تزن 200رطل، واستخدم القوة المفاجأة كما هو مبين أعلاه، فإن تم رفع كتلة ال200رطل قبل أن يعود الجناح إلى الأسفل يمكنك أن تعدّ تجربتك ناجحة. تأكد من سرعة القوة.
إنه يلخص باقتضاب، " إن لم يتم تحقيق الأثر المرغوب، لا تهدر وقتاً أكثر عليه."  ويتأمل ليوناردو- في موضعٍ آخر- نموذجاً أولياً للهليكوبتر: إن " تمت إدارة هذه الآلة اللولبية بسرعة، فإن اللولب سيجد أنثاه في الهواء وسيتسلق صاعداً". مثل المنطاد ينبغي تغطية أرياش هذه الطائرة العمودية البدائية بقماش "الكتان المغطى بالنشا للتخلص من مساميته." 
الآلات الطائرة، والأسلحة، والمدن، والكنائس، والتروس والعجلات، والأشكال الهندسية- والكثير غيرها: اشتملت المخطوطة ب أيضاً على رسم الآلة الوترية ذات رأس الوحش ذاك، والذي أُلصق عموماً بالقيثارة اليدوية lira da braccio التي جلبها ليوناردو إلى ميلانو قبل بضعة سنوات. كان هذا في أولى الصفحات التي ، وسرقها ليبري، الصفحة رقم 91، وتأتي بعدها سلسلة مشابهة من المِدي والسيوف بمقابض محفورة بشكل رائع على الصفحة 92. 
الصفحة الأخيرة، رقم 100، كانت أيضاً هي الغلاف الخارجي- عندما يُنزع الكتاب عن الحقيبة التي تحفظه- وبالتالي كانت الوعاء، على مدى السنوات، الذي حوى القصاصات والقوائم والخربشات: لحظات منوعة في الاستديو، أو دراسة لليوناردو دا فينشي. على الركن الأيسر العلوي حسابات رقمية، ربما لأموالٍ، وعلى يمينها قائمة من الكلمات، والتي كانت إحداها (sorbire) كانت معدّة لقائمة من الكلمات اللاتينية في مدونة أخرى، مخطوطة آل تريفولزيو. ثم تأتي قائمة مذكرة ذات معانٍ مبهمة في الغالب، " اسأل المعلم لودوفيكو عن أنابيب المياه، الفرن الصغير، برميل البارود، الحركة المستمرة [آلة؟]، المنافيخ الصغيرة، المنافيخ الكاذبة."  وتحت هذا ثلاثة صفوف من الهيروغليفية لا تخلو من منحىً عبرانيّ مبهم، ثم إلى الأسفل نجد اربعة رسوم تمهيدية سريعة تصوّر عثة، وخفاشاً، ويعسوباً وفراشة. تحت الخفاش، وقبل بداية القطع الطويل في الركن الأيسر السفلي، نجد العبارات:" animale che fuge dell'uno element nell'altro'- خلاصة جميلة وليوناردية مثلى للطيران: " الحيوان الذي يطير من عنصر إلى آخر". وفي الركن الأيمن السفلي نجد رسماً كروكياً يصفه ماريونوني بأنّه: رجل يرتدي معطفاً طويلاً في طقس تعبّدي"، ولكن الوجه مرسوم بشكل كاريكاتوري، ويخال الرائي أنّ ركوعه من الجزع أكثر منه من التعبد. وتمتد يده لتقبض على الجزء الأسفل من جناح الخفاش، والذي هو الآخر تم رسمه بسرعة شديدة، وأضيفت له الظلال التي منحته كتلةً معينة، وعليه يأخذ الإمساك بالشكل أو تلمّسه منحىً شهواني، وهو بالتأكيد معوّق لمخلوق مجنّح في غاية الحرص على "الهرب" إلى عنصر آخر. ويبدو أنّه يعود صراع الحسد-الفضيلة، واللذة-الألم الوارد في حكايات أكسفورد: إنّه ما يعيدك إلى الأسفل. مثل الأنماط غير الواعية التي يمكن التقاطها من زغب غلاف هذه المدوّنة العتيقة.
هنالك كرّاستين أخريين تعودان لهذه الفترة الأولى، المؤرخة في 1487-1490. إحداها صغيرة في حجم كتيب الجيب، وهي جزء من مخطوطات فورستر في متحف فكتوريا والبرت.  وتتناول براغي أرخميدس [cochleae:وهي تعني حرفياً قواقع الحلزون] لرفع الماء، والآلات الهيدروليكية الأخرى. وبها عدد من الوصفات الكيميائية التي ربما تعكس حضور زورواستر أو "المعلم توماسو" كما يدعوه ليوناردو في 1492. وهي تحقق في لغز الحركة المستمرة، وهو موضوع رفضه بعد ذلك باعتباره وهماً، ثمرة "الخارق للطبيعة"، مثله مثل أحلام الخيميائي بصنع الذهب كيميائياً. 
والمدوّنة الأولى الأخرى هي مخطوطة تريفولزيانوس أو مخطوطة تريفولزيو. وقد استمدت اسمها من لقب العائلة الميلانية التي اقتنتها في القرن الثامن عشر، وليس هنالك ما يربطها على وجه الخصوص بغيانجياكومو تريفولزيو، زعيم مرتزقة عصر النهضة الذي عرفه ليوناردو. والاهتمام بالعمارة هو القاسم المشترك بينها وبين المخطوطة ب التي عاصرتها، وتحتوي على بعض الكاريكاتورات الحاذقة ضمن الرسوم الخيالية الأولى التي أصبحت أسلوباً ثانوياً رائعاً  لرسومات ليوناردو- ولكن كانت معظم الصفحات معبأة بسلاسل مضنية من قوائم المفردات اللاتينية. مئات الكلمات مسردة ومترجمة –ما استدعى الأمر ذلك- إلى الإيطالية: وهذه حلقة دراسية مكثفة في اللغة التي لم تفقد عالميتها لأغراض التعلّم والفلسفة.  ولقد استشعرنا حس العمل، والعمل المنزلي، وجداول العقاب. 
وفي إحدى الصفحات الأولى لمخطوطة تريفولزيو  هنالك عمود من الكلمات الخمسة التالية: 
Donato
Lapidario
Plinio
Dabacho
Morgante
تبدو للوهلة الأولى مثل قائمة أخرى من المفردة، ولكنها ليس كذلك. إنّها مختصرات لعناوين كتب. ليس هنالك عنوان لذلك لا نعلم على وجه التأكيد ما إن كان ليوناردو يمتلك هذه الكتب، ولكن بما أنّها جميعاً ترد في قوائم كتب لاحقة، والتي هي بالتحديد محتويات مكتبته، فيبدو أن هذه هي بالفعل أولى الشهادات المعروفة عن الكتب التي كانت تشغل رف ليوناردو. 
هل كانت هذه الكتب هي كل ما لديه في ذلك الوقت؟ لا يبدو الأمر كذلك: فالكتب المطبوعة كانت باهظة الثمن، وما زالت نوعاً من الاختراعات. فهي لم تكن دائماً مرحباً بها في مكتبات ذلك الزمان: بائع الكتب الفلورنسي فيسبازيانو دا بيستيشي امتدح مكتبة مخطوطات دوق أوربينو، " منمنمة بشكل جميل، ومغلفة باللونين الفضي والقرمزي" ثم يضيف، " وكان هنالك مجلد واحد مطبوع ربما شعر بالخزي من وجوده إلى جانبها"  وتشير قوائم ليوناردو اللاحقة إلى الطلب السريع على الكتب- قائمة في مخطوطة أتلانتكس والتي تعود إلى بداية تسعينيات القرن الخامس عشر، معددة اربعين من الكتب، بينما كانت مقتنيات مدريد الشهيرة في عام 1504 تحوي 116 مجلداً. 
الكتب الخمسة في القائمة التريفولزية تعتبر لمحة من اهتماماته في أواخر ثمانينات القرن الخامس عشر. فدوناتو يشير إلى كتاب شعبي يتناول موضوع الإنشاء والنحو اللاتيني. إنه كتاب De octo partibus orationis لمؤلفه ايليوس دوناتوس، وقد خرجت منه طبعات كثيرة في القرن الخامس عشر، وفي الحقيقة اصبحت كلمة دوناتو اختصاراً معروفاً لأي كتاب نحو لاتيني (ودوناتيلو، أي الدوناتو الصغير، لكتاب النحو الأساسي). ووجوده هنا يرتبط بقوائم المفردات اللاتينية.
وتعد كلمة lapidario  فضفاضة جداً لدرجة لا تكفي للتعريف بشكل محدد: إنّه نوع ما من الكتيبات الاسترشادية حول الحجارة والمعادن النفيسة. فمهووس الكتب من القرن التاسع عشر الكونت غيرولامو دا آدا- أول من درس قراءات ليوناردو بمنهجية- اعتقد أنّها ربما كانت ترجمة إيطالية ل Liber Lapidum أي [كتاب الأحجار] الذي كتبه الاسقف الفرنسي من القرن الثاني عشر، ماربوديوس. ويدعى هذا الكتاب ايضاً دي جيميز أي (حول الجواهر)، وهو يتناول بشكل خاص الخصائص الدوائية للأحجار الكريمة.  
Pilino  بلا شك يشير إلى Historia naturalis لPliny  الأكبر، المؤلف الراصد، والباحث الصِّديق الذي قُتل في اضرابات فيسوفيوس عام 79 للميلاد. وقد كان تأريخه الطبيعي مستودعاً شعبياً ضخماً للمعرفة الكلاسيكية والتقاليد، متناولاً الجغرافيا، والعلوم الطبيعية، والاختراعات والآداب. وكان من مواطني كومو، ويعد من سكان لوبماردي. وقد كانت النسخة التي اقتناها ليوناردو على الأرجح هي الترجمة الإيطالية لكريستوفورو لاندينو، والمطبوعة في مدينة البندقية عام 1476. وربما عرف ليوناردو لاندينو في فلورنسا في الغالب. 
داباكو ( أو d'abaco) هي الأخرى مفردة واسعة المجال: فالكلمة "abacus" في هذا السياق قد تعني أيٍ من كتب علم الحساب. وهنالك أطروحة علم الحساب الشهيرة لباولو داغوماري، ولكنها قديمة. العمل الأحدث كان opera de arithmetica النبيل لبيرو بورغي دي فينيزيا والمنشور في 1484؛ ويشير إليه ليوناردو في مكان آخر بالمعلم "بيرو دال بورغو".
يعيدنا مورغانتي مرة أخرى إلى فلورنسا، للملحمة الرومانسية الشعبية للويجي بولشي، الصديق الملحد إلى حد الصفاقة للورينزو دي ميديتشي، وبينديتو ديي. هذا العمل الهزلي السوقي- في أسلوب لا يختلف كثيراً عن اسلوب انطونيو كاميللي، بيد أنّه أكثر ثباتاً وقوة في صياغته- والذي خرج في جزئين. الأطول 28 نشيداً، النسخة التي تُعرف باسم مورغانتي ماجوري، والمنشورة في فلورنسا في 1482. وقد اقتبس منها ليوناردو أكثر من مرة، وهي أيضاً على الأرجح النسخة التي استوحى منها لقب سالاي الذي يعني " الشيطان الصغير"- والذي خلعه على تلميذه الصبي الميلانيّ العنيد غياكومو كابروتي.
النحو، والعلوم الطبيعية، والرياضة، والشعر: صف صغير من الكتب على رف معلّم نفسه، ولكن كما رأينا، هذه هي فقط نواة حب ليوناردو للكتب. قائمة الكتب المخطوطة بالطبشور الأحمر على ورقة في مخطوطة اتلانتكس تعود إلى حوالي عام 1492 على ما يبدو: وعلى ظهرها ثمة بعض الملاحظات المنسوخ أغلبها حرفياً في مخطوطة باريس أ، والتي تعود لهذا التأريخ.  وبحلول هذا الوقت، وربما بعد خمس سنوات من القائمة التريفولزية الصغرى، زادت مكتبة ليوناردو لتحوي سبعة وثلاثين كتاباً. (هنالك اربعون عنصراً مدرجاً، ولكن تمت معاملة المجلدات الثلاثة لعقود ليفي كثلاثة أعمال منفصلة، وورسائل فيليلفو ذُكرت مرتين.)
وبالحديث بشكل عام حول هذه الكتب السبعة والثلاثين ستة منها فلسفية ودينية في طبيعتها، وخمسة عشر نصاً علمياً وتقنياً، وستة عشر من الأعمال الأدبية. وتضم الفئة الأولى الانجيل، والمزامير، وحيوات الفلاسفة، وعمل يعرف باسم "de immortalita d'anima' [خلود الروح]، والتي هي في الغالب نسخة إيطالية لكتاب فشينو اللاهوت الافلاطوني، والمنشور باللاتينية في 1481 بعنوان فرعي "De animarum immortalitate". ومن المتوقع أن تكون الكتب العلمية متعددة – كتب في الرياضة، والعلوم العسكرية، والزراعة، والجراحة، والقانون، والموسيقى، وقراءة الحظ والأحجار الكريمة، وثلاثة كتب منفصلة في الصحة. (هل سمع أحدكم بالملاحظة حول توهّم المرض[Hypochondria]؟) ربما كان ثراء التصنيف الأدبي هو المفاجأة. لا غرو أنّ الفئة واسعة الطيف: لقد قمت بتضمين ثلاثة كتب في النحو والبيان والتي كانت تتناول كيفية الإنشاء، وكتاب واحد في أدب الرحلات (نسخة من جيوفان دي مانديفيللا أو جون دي مانديفيل) والذي كان يتميز بطابع خيالي تحديداً أكثر من كونه كتاباً واقعياً. البقية كانتعبارة عن مجموعة رائعة من النثر والشعر بما في ذلك الأعمال التقليدية لأيسوب، وليفي وأوفيد، ونسخة من بترارك، ورباعيات دانتي الصغرى للأخ الدومينيكي فيديريغو فريتسي، والمجموعة النثرية المسماة زهرة الفضيلة Fiore di virtu، والشعر الإباحيّ الركيك المانجانيلو، والقصائد الساخرة لإل بيرشيلو، وإباحيات بوغيو براكشيوليني، ورسائل فيليلفو، والجنية للوقا بولشي، والمورغانتي لأخيه لويجي بولشي- يفترض أن الأخيرة هي النسخة المذكورة في مدوّنة التريفولزيو. قُرأت هذه الكتاب للمتعة، والاسترخاء الذي كان في أمس الحاجة إليه. 


------------------------------------------------
 ليوناردو دافنشي: رحلات العقل
تأليف: تشارلز نيكول
ترجمة: أميمة حسن قاسم
محاولة استعادة شيء من ليوناردو الإنسان هي مهمة هذا الكتاب- ذلك هو، ليوناردو الإنسان الحقيقي، الذي عاش في وقت حقيقي، وأكل أطباقاً حقيقية من الحساء، مقابل ليوناردو الرجل الخارق، متعدد التخصصات.
بتكليف ورعاية من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، وبدافع من حب المعرفة والسعي لنشرها  قامت القرية الإلكترونية بتوفير هذه النسخة من كتاب ليوناردو دافنشي: رحلات العقل | تأليف: تشارلز نيكول | ترجمة: أميمة حسن قاسم
وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في جوجل بلس نأمل أن تحوز إعجابكم وأن تكون مساهمة في #نشر_المعرفة
صفحتنا الرسمية في فيس بوك :
منصتنا في جوجل بلس لمتابعة باقي مشروعاتنا 
(جميع الحقوق محفوظة)

No comments:

Post a Comment