ليوناردو دافنشي: رحلات العقل
2-"في الظل والضوء"
" في 23 أبريل عام 1490 بدأت هذا الكتاب"- "الكتاب" هو المخطوطة المعروفة الآن بمخطوطة باريس ج. وهي مؤلفة من أربعة عشر صفحة، تم طيّها لتصبح ثمانٍ وعشرين صفحة، فالورقة من القطع الكبير، رقيقة جداً، وتحمل علامة مائية عجيبة تتكون من دائرة صغيرة وخطين مموجين- تشبه إلى حد كبير شرغوفاً بذيلين، ولكن الإشارة توميء بلا شك إلى ثعبان آل فيسكونتي، وهو شعار ميلاني تقليدي. وهذه هي أولى مخطوطات ليوناردو التي يمكن وصفها على أنّها أطروحة متسقة: فموضوعها هو سلوك الضوء. ولقد سماها فرانسسكو ميلزي " كتاب الظل والضوء". وعلى الرغم من اشتمالها على الكثير من المواد المتعلقة بهذا الموضوع، فإنّ ليوناردو لا يستطيع الالتزام بمسار واحد لفترة طويلة من الوقت، وهنالك الكثير من الملاحظات والرسومات المتعلقة بمواضيع أخرى- الفيزياء، الصوتيات، الألعاب، والنكات، والماء، وما إلى ذلك. تحتوي بعض الصفحات على رسومات صغيرة ودقيقة جداً لأشياء مثل (المطارق، والأجراس، والمُدَى، وبراميل النبيذ، وفأس يشق كتلة خشب، الخ) والتي تعتبر فترات من الراحة من الرسوم البيانية الجافة التي يتضمنها النص الرئيسي. إنّه عمل علمي رفيع المستوى: ومزيج صارم من الضوء والهندسة. الكتابة نظيفة، والرسوم البيانية صعبة، بتدريجات دقيقة من الضوء والظل الذي تقترحه التدفقات الدقيقة المتوازية المرسومة بالقلم والحبر. وهي تأتينا مباشرة من مكتب ليوناردو في المحكمة القديمة في 1490-1491 حيث تتزامن بشكل عام مع لوحته لوجه الموسيقي بتأثيراتها الظل-ضوئية ("المضيئة والقاتمة") الجريئة.
ومثل الأطروحة التشريحية التي وضعت خطتها عام 1489، كان كتاب ليوناردو "في الظل والضوء" جزءاً من مشروع العلم التامّ لخدمة الرسام، وهو يدين بالفضل فيه لمباديء المرسم في تلك السنوات: يجود المعلم بحكمته. وكما في دراسات التشريح الأولى، هنالك خطورة في تطور هذا الموضوع، وهو تكاثر المهام المنوطة به مثل افعى الهيدرا. وسرعان ما يبدو أنَّ النص الحالي مجرد بداية فقط. وعلى صفحة مكتوبة بإمعان في مخطوطة أتلانتكس تم وضع برنامج طموح من سبعة "كتب" حول الموضوع:
في أطروحتي الأولى المتعلقة بالظلال؛ صرحت بأنَّ كلَّ جسم معتم محاط، وسطحه مغطىً، بالظل والضوء، وعلى هذا بنيت أول الكتب. ثم إنَّ هذه الظلال نفسها مكونّة من عدة أنواع من العتمة، لأنّها متهمة بغياب تعدد سمات أشعة الضوء، وهذا ما أسميه الظل الأصليّ[ombre originale]، لأنّها هي أول الظلال، التي تغطي شيئاً ما وتثبت فيه، وعلى هذا ارتكز كتابي الثاني.
أما الكتاب الثالث فسوف يكون حول الظلال الفرعية أو الثانوية، وهكذا، حتى الكتاب السابع.
وفي مخطوطة أخرى من تلك الفترة يضع ليوناردو تعريفاً لمختلف مصادر الضوء ("الضوء الثانوي"، "الانعكاس القمري"، إلخ)، ومختلف خواص الضوء مثل "الهواء المحصور" (aria restretta) من الضوء الداخل عبر النافذة، والضوء الحر "Lume Libero خارجاً في الريف. وقد استخدم الكلمة perchussione – بالإنجليزية percussion، وهي لسقوط أو وقوع الضوء على جسم ما. وهذا الشيء ينقل فكرة الضوء كشيء ديناميكي. وفي مكان آخر يقوم بتعريف الضوء كواحد من "القوى الروحية"، حيث الروحية لا تخلو من المعنى الأرسطويّ "للامادية" أو "اللاحسية": الطاقة دون كتلة.
وبذلك يضع ليوناردو بحسم وصرامة قوانين تصوير الظل والضوء، والتي " هي أكثر الوسائل المعتمدة التي يمكن عبرها التعرّف على أي جسم" وهي بذلك ضرورية "للتميز في علم التلوين." ونجد هنا الأسس العلمية لأكثر تأثيرات أسلوب ليوناردو الدخاني قوة وإيهاماً، والذي "بحسب تعبيره الخاص" "تمتزج فيه الظلال بالإضاءة دون خطوط أو ضربات، مثل الدخان تماماً." والأسلوب الدخاني المتدرج هذا[sfumatura] يظهر بوضوح في لوحة الموناليزا، والذي يصبح فيها أكثر من مجرد تصوير للظل والضوء- إنّه مزاج أو طقس، تشبُّع خريفي من المؤقت والحسرة على زواله. وتعتبر تدرجات الأسلوب الدخاني [sfumatura] هي الأخرى من وسائل تصوير المسافة، وعليه فهي تابعة للمنظور. ويناقش ليوناردو في الأطروحة تصوير الأشياء كما هي " تتلاشى بسبب المسافة"- الأشياء الأقرب "لها حدود واضحة وحادة"، بينما الأكثر بعداً لها "حدود دخانية وضبابية". وأطلق على هذا المبدأ اسم "prospettivo de'perdimenti" – " منظور التلاشي" (كتمييز له من منظور الحجم). وتردد هذه العبارة مرة أخرى يشير إلى طقس ذهني وظاهرة بصرية بالقدر نفسه: المسافات التي تمتد خلف رسم الموناليزا ليست سوى خلاصة شاعرية لمنظور التلاشي هذا.
وكذلك كانت على مكتبه في هذا الوقت كراسة أصغر وأكبر سمكاً، بتنسيق ثُماني قياسي، وهي الآن تعرف بمخطوطة باريس أ، وكانت في الأصل تحتوي على 114 ورقة، قام ليوناردو بترقيمها على التوالي، ولكنّها لم تسلم من طمع الكونت ليبري بعد ذلك، والذي مزق منها قسماً من خمسين ورقة، منها سبعة عشر ورقة لم يرها أحد مذّاك.
كانت المخطوطة أ في الأساس دليلاً للرسام، بيد أنّه جد مختلف عن الكتيبات الدليلية الفلورنسية التقليدية مثل كتاب تشنينو تينيني. وهي تتناول أساليب التلوين بشكل مباشر، وتعالج شتى الموضوعات- البصريات، المنظور، التناسب، الحركة، الآلية، إلخ.- من وجهة نظر الرسام. كما أنّها تتناول موضوع الضوء والظل بشكل أكبر، الشيء الذي يعيد إلى الأذهان لوحة الموناليزا مرة أخرى، إذ تشتمل على هذه الفقرة:
إن كنت تريد رسم وجه شخص ما، فقم بذلك في طقس غائم، أو في المساء. انظر إلى الشوارع عند اقتراب الليل، أو عندما يكون الطقس سيئاً، كم سترى من عذوبة وجمالاً في وجوه الرجال والنساء. لذلك، أيّها الرسام، اتخذ مكاناً في الفناء تكون جدرانه سوداء اللون، مع مساعدة مظلة ما. وعندما تكون السماء مشمسة ينبغي تغطيته بسقيفة. إن لم يتوفر ذلك فارسم بينما يحل الليل، أو عندما تكون السماء غائمة أو أثناء سقوط الضباب، فهذا هو الطقس المثالي.
هذه هي تطبيقات أكثر أساليب ليوناردو رقة وقتامة، مختلفة جداً عن التحديد الدقيق والجمال الذي يعكس نور الشمس الذي تدرب عليه في فلورنسا.
ومن بين التفاصيل الفنية التي كُّرست لها الكرّاسة بشكل عام نجد لمحات غير متوقعة من عمليات ليوناردو التخيلية "جنوح" - كما يحلو له أن يسميه- "العقل إلى الابتكار":
انظر إلى أي جدار ملطخ بمختلف البقع، أو إلى حجر بأنماط مختلفة، سوف ترى فيهما جمعاً بين مختلف المناظر.. أو إلى المعارك وما فيها من شخوص تتقافز، أو الوجوه والأزياء الغريبة: تنوع لانهائي من الأشياء التي يمكنك تلخيصها في صيغ جميلة التعبير. والشيء نفسه الذي يحدث مع الجدران والأحجار قد يحدث مع أصوات الأجراس والذي قد تسمع في جلجلته أي اسم أو كلمة تريد تخيلها.
وتقفز ذات الفكرة، في عبارة أخرى، في الأطروحة، حيث تمثّل جزءاً من إحدى نزاعاته مع بوتيشيلي: "رمي قطعة من الأسفنج منقوعة بالكاد في مختلف الألوان على جدار ستترك بقعة يمكن أن يُرى فيها منظر جميل. وأقول إنَّ رجلاً قد يبحث في مثل تلك البقعة اللونية رؤوس أشخاص، وحيوانات، ومعارك، وصخوراً، وبحارأ، وسحباً، وغابات وأشياء أخرى من هذا القبيل." وهذا النوع من الخيال البصري أو حرية الانتماء التي يتنفس من خلالها ذلك الجانب الحالم والشارد من شخصية ليوناردو في أعمال فنية: " الأمور المحيرة تحفز العقل لابتداع أشياء عظيمة".
ففي المخطوطة أ؛ نجد أولى المخططات لأطروحة حول الألوان، استخدمها ميلزي بشكل مكثف أكثر من أي مرجع آخر عند جمع مواد الأطروحة. وربما قام ليوناردو نفسه بتطوير الكرّاسة إلى نَصٍّ ذي طابع رسمي. في 1498، وفي رسالة بولس الرسول المكرّس حول النسب الإلهية، يقول عالم الرياضيات لوقا الباشيولي إنَّ ليوناردو "قد أنهى" بالفعل " كتاباً قيّماً في الرسم وحركة البشر" (degno libro de picture e movement humani). وقد يكون هذا هو الكتاب نفسه الذي أشار إليه لوماتسو في وقت لاحق، والذي يتحدث عن مناقشة ليوناردو لمزايا التلوين والنحت ذات الصلة "في كتاب له قرأته قبل بضع سنوات، والذي خطّه بيده اليسرى، بطلب من لودوفيكو سفورزا، دوق ميلان". كانت المقارنة بين الرسم والنحت، التي جاءت في مقدمة الأطروحة، موجودة في هيئة مسودة في المخطوطة أ. وتشير هذه التعليقات إلى أنّه في وقت ما قبل عام 1489، قام ليوناردو بنسخ مواد من المخطوطة أ. في "كتاب"- أو مخطوطة قائمة بذاتها- لإرضاء الأسمر.
وفي أولى صفحات المخطوطة أ، رسم يبين "ظل إنسان"، موضحاً نقطة بالقرب من شبه الظل. تحتها يبدأ نَصُّ الشرح كالتالي: " إن كانت النافذة أ-ب تسمح بدخول نور الشمس إلى الغرفة، فإنَّ الشمس ستجعل النافذة تبدو أكبر، وسوف تبدد ظل الرجل كذلك، حتى عندما يقارن الرجل ظله المتقلص معها ...." احذف البقية، والتي تصبح أكثر تعقيداً، لأنَّ النقطة العبثية تشد الانتباه أكثر. فهذا الرسم السطحي الصغير يعد ضرباً من التصوير الذاتي: فالرجل الذي سيتشكل ظله "بالضبط كما هو مبين أعلاه" يجب أن يكون هو الرجل الذي يرسم، وذلك الرجل تحديداً هو ليوناردو دافنشي. إنّه لا يبين ملامحه، فقط طيفه، وهو مرتدٍ "ملابسه" في الظل، بينما يقف أمام نافذة مقوسة، ربما في المحكمة القديمة، في يوم مشمس في مطلع تسعينيات القرن الخامس عشر.
ظل ليوناردو
صفحات كرّاسات باريس ج وأ المصفوفة بعناية، بمقاطعها النصية وأشكالها الإيضاحية، تشير إلى أنَّ ليوناردو كان يفكر في شيء ما شبيه بالمخطوطات التقنية لفرانسسكو دي جيورجو مارتيني، العالم والمعماريّ والمهندس. ولا بدّ أن ليوناردو كان على علم بها- فقد اقتنى إحدى هذه المخطوطات وهي الآن موجودة في مكتبة لورينزيانا في فلورنسا، وعلى هوامشها ملاحظاته وخربشاته. - وحقيقة وجود مارتيني في ذلك الوقت في ميلانو تجعلني أعتقد بحتمية تأثر ليوناردو به. فقد كان هناك بالتحديد بحلول عام 1489، عندما كان يجهّز نموذجاً لمصباح الكاتدرائية، وفي صيف عام 1490 سافر هو وليوناردو معاً إلى بافيا. كان مارتيني آنذاك في بدايات خمسينياته، رجل ذو خبرة هائلة. ولدينا بعض التفاصيل الرائعة عن رحلته، وحسٌّ قويٌّ بأنَّ ليوناردو قد استمتع بها- عطلة من حامل اللوحات والمكتب.
في أول يونيو عام 1490 تلقى مارتيني دعوة من قسم الأشغال في كاتدرائية بافيا لاستشارته حول أعمال إعادة البناء هناك، وبناءً على اقتراح لودوفيكو، ذهب ليوناردو معه. وفي حوالي 18 يونيو انطلقا من ميلان، على ظهور الخيل، مع حاشية من "المهندسين، والزملاء والخدم"، والذين ربما كان من بينهم زوروآسترو، المهندس المقيم ورجل المؤثرات الخاصة في حاشية ليوناردو. لم تكن بافيا ببعيدة: حوالي 20 ميلاً، وحلوا بنزلٍ يدعى ساراشينو (أي الشرقيّ). كانت تكلفة إقامتهم تبلغ 20 ليرة، وقد تمت تسويتها من قبل قسم الأشغال في 21 يونيو: يصفهم المستند بأنّهم قد تلقوا دعوة بغرض تقديم استشارة"- إذن فهم استشاريون.
وكانت بافيا تتبع سياسياً لميلانو، وكانت مدينة صغيرة وفخورة تطلق على نفسها مدينة المائة برج [Civitas centum turrium]. تم تأسيس جامعتها الشهيرة في القرن الرابع عشر، والتي كان من خريجيها بترارك وكريستوفر كولومبس. وبدا أنَّ المكان قد أثار اهتمام ليوناردو. لقد ذكرت بالفعل رد فعله الجزل حيال تمثال الفارس ملك الشمس[إل ريجسولي]، والذي أطلق قطاراً من الأفكار الجديدة بخصوص حصان سفورزا، ولكن كان هنالك العديد من الآثار الصغيرة الأخرى للزيارة في مفكراته، وتعكس لنا هذه بدورها صورة لليوناردو نفسه، في رحلته الصيفية الممتعة هذه، مراقباً ومتسائلاً ومهتماً إلى حد بعيد بكل شيء. هناك جلس على جانب النهر يراقب بعض أعمال الحفر:
كنت أراقبهم وهم يعززون من أساسات امتداد سور بافيا القديم، والتي كانت على ضفة نهر التيشينو. ما كانت مصنوعة منها من أشجار الصنوبر القديمة التي كانت هناك ما اصطبغ لونه بالسواد الكالح مثل الفحم، بينما كانت المصنوعة من نباتات جار الماء حمراء مثل الخشب البرازيلي [verzino]، وما زالت ثقيلة، وصلبة كالحديد، وخالية من البقع تماماً.
وها هو يقف خارج قلعة آل فيسكونتي القديمة، مراقباً تلك "المداخن ذات الفتحات التي انتظمت في ستة صفوف، كُلٌّ منها تبعد عن تاليتها مسافة ذراع واحد." نتبعه إلى داخل مكتبة القلعة الشهيرة، التي جمعها غالياتسو فيسكونتي الثاني، حيث يجد مخطوطة بيد عالم الرياضيات البولندي فيتلو، وبعض الملاحظات، " هنالك 805 خلاصة في فيتولوني حول المنظور. " ولاحقاً، مرة أخرى في ميلانو، سيكتب، " أحاول الوصول إلى فيتولوني، والذي هو في المكتبة في بافيا، وهو يتعامل بالرياضيات." ولا يمكن التعرف إلى المخطوطة التي أرادها ليوناردو، إذ أنَّ محتويات مكتبة بافيا قد تبعثرت أثناء الاحتلال الفرنسي عام 1500.
وبين هذه الملاحظات البافية، رسمٌ تمهيديٌّ صغير ومثير للدهشة: خارطة أرضية بعنوان lupinario- ماخور. هل هي الأخرى من بافيا؟ هل زاره؟ إن لم يكن للسبب التقليدي، فإذن بسبب أنَّ الماخور جدير بالاهتمام مثل الكاتدرائية أو موقع البناء على ضفة النهر، أو مخطوطة الخبير فيتلو. وكذلك لأنَّ المواخير كانت على الأرجح مصدراً – تقليدياً بالفعل- للمُثُل البشرية بالنسبة للرسام- سأنظر مرة أخرى في احتمالية أنّ مثال لوحة ليدا المفقودة لليوناردو كانت مومساً.
------------------------------------------------
ليوناردو دافنشي: رحلات العقل
تأليف: تشارلز نيكول
ترجمة: أميمة حسن قاسم
محاولة استعادة شيء من ليوناردو الإنسان هي مهمة هذا الكتاب- ذلك هو، ليوناردو الإنسان الحقيقي، الذي عاش في وقت حقيقي، وأكل أطباقاً حقيقية من الحساء، مقابل ليوناردو الرجل الخارق، متعدد التخصصات.
بتكليف ورعاية من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، وبدافع من حب المعرفة والسعي لنشرها قامت القرية الإلكترونية بتوفير هذه النسخة من كتاب ليوناردو دافنشي: رحلات العقل | تأليف: تشارلز نيكول | ترجمة: أميمة حسن قاسم
وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في جوجل بلس نأمل أن تحوز إعجابكم وأن تكون مساهمة في #نشر_المعرفة
صفحتنا الرسمية في فيس بوك :
منصتنا في جوجل بلس لمتابعة باقي مشروعاتنا
(جميع الحقوق محفوظة)
No comments:
Post a Comment