(لبّيك اللهم لبيك)
للشيخ حْميد بن راشد النعيمي حاكم إمارة عجمان
كنت للتوّ قد أهديت نسخة من كتابي (لبّيك اللهم لبيك) للشيخ حْميد بن راشد النعيمي حاكم إمارة عجمان، عندما رأيت أن أتحدث عن منهجية الكتاب الذي جمعت من أجله مئات الحكايات قبل أن أستقرّ على هذا العدد الذي يساوي أيام السنة، وكان في الحكايات التي اشتمل عليها الكتاب نصيب من سرد ماكان يكابده الحجيج قديما أثناء رحلة تمتدّ بهم شهورا وفي جغرافيات متنوعة وأقوام بعضهم كان الحجّ بالنسبة له موسم صيدٍ والحجاج محض طرائد وفرائس.
كان الشيخ حْميد يصغي لحديثي وكان يبدو في هيئة من يحاول استعادة شيء ما، وبعد هنيهة أكّد حديثي وبدأ يسرد أشياء تعزّز ماذكرته في مادة الكتاب الذي أثنى عليه وذكر كيف كان الحجّ يمثّل معاناة كبرى يتضاءل أمامها حتى الغزو، قال: لأنك عندما تتعرّض للغزو فسيكون بوسعك أن تستلّ سلاحك وتدفع به عن نفسك الشّر، أما الحاج فرحلته هي سعي إلى الله، فيسلك الطريق أعزلا إلا من نيّة الحجّ وبلوغ الغاية.
وكانت الصحراء في تلك الفترة تزخر بقطّاع الطرق من البدو الذين يدركون أن هذا الموسم لن يتكرر قبل مرور عام كامل، فكانوا إذا وجدوا حاجّا في الطريق وأطلقوا عليه النار وأردوه قتيلا، تنتابهم حالة من الأسى والأسف االذي يعتصرهم اعتصارا عندما لا يجدوا معه ما يستحق ثمن الرصاصة التي قتلوه بها.
فقلت له إن الكتاب يحفل بحكايات شبيهة ويستعيد فجائع لا تختلف عنها كثيرا، وفي المقابل تناولتُ فيه حكايات أخرى كان يبدو فيها الحجّ نزهة آسرة، وحدّثته عن حجّاج مصر في الثلاثينات وكيف كانوا يستقلّون البواخر والسفن الفارهة ويقطعون بها طرفي البحر الأحمر وصولا إلى جدّة، في الوقت ذاته الذي كان فيه حجّاج الخليج يتّخذون الإبل وسيلة للسفر ولا يشرعون بالرحلة قبل أن يتركوا وصاياهم ومن يقوم بالأمر بعدهم، لأنهم سيقطعون مفازات قد لا يكون الفوز والنجاة حليفهم فيها.
فقال مؤيدا ومؤكدا طريقة السفر في هذه الحقبة تحديدا، حيث قصد والده راشد النعيمي رحمه الله مكّة حاجّاً في ثلاثينيات القرن الماضي على الإبل، فذهب شمالا مع الشريط الساحلي حتى بلغ القطيف في المنطقة الشرقية أوّل الأمر، ومنها غادر إلى الرياض، ثمّ إلى مكّة.
وكان من فرط مشقّة الرحلة التي استغرقتهم شهوراً، بادروا إلى العودة على متن سفينة روسية من جدّة، وصلت بهم إلى ميناء بندر عباس في إيران.
وهناك كان على الجميع الخضوع للتطعيم، وأُلزموا بذلك، فشقّ الأمر على والدي الشيخ راشد، وقال لهم: بتونّا -ستأتون إلينا- عاجلا أم آجلا، وإذا عطيتونا التطعيم بضرب الإبر، فسنضربكم عندنا بالدفرهْ. قال ذلك وهو يشير بيده لبيان حجمها، وهي نوع من الإبر الكبيرة التي تستعمل في خياطة الحصير الذي يُتّخذ من خوص النخل، فخلّوا عنه ونجّا الله الوالد راشد من المرض والتطعيم.
No comments:
Post a Comment