ليوناردو دافنشي: رحلات العقل
5-العودة إلى المرسم
يقول ليوناردو في خطاباته التي بعث بها من فلورنسا إلى ميلانو، والتي حملها سالاي في مطلع عام 1508، أنّه يأمل أن يعود بحلول عيد الفصح في آخر أسبوع من شهر أبريل- وهذا ما حدث على الأرجح. حيث موعد تسليم النسخة المعدلة من لوحة عذراء الصخور كان يوافق يوم 26 من شهر أبريل، وفقاً لاتفاقيته مع الأخوية عام 1506، وربما وضع المعلم لمساته الأخيرة عليها قبل تسليمها. وكانت هذه هي النسخة الرائعة ذات المسحة الزرقاء من لوحة عذراء الصخور والموجودة الآن بمدينة لندن، وهي عمل مشترك لليوناردو وأمبروجيو دي بيرديس: أكثر بريقاً وإيحاءً من نسخة اللوفر، وهي أفضل منها تقنياً وأهدأ عاطفياً. ومن المؤكد أنّها كانت في حيازة الأخوية في وقت ما قبل منتصف شهر أغسطس، حيث سرى بعض القلق إثر ظهور وثيقة رسمية صادرة في يوم 18 أغسطس،على هيئة "إبراء ذمة" تعفي الأخوية من التزاماتها التعاقدية مع الرساميْن. ومن هنا يتضح أنّ اللوحة موجودة الآن في "مكانها"- أي بعبارة أخرى أعلى مذبح معبد الأخوية في كنيسة القديس فرانسسكو الأعظم- وقد ظلت هناك في الواقع حتى فض الأخوية في عام 1781، عندما أتى بها إلى بريطانيا جامع التحف الاسكتلندي غافين هاميلتون عقب ذلك بأربعة أعوام.
وتسليم اللوحة في 1508 لا يعني بالضرورة تسليم الفنانيْن أجورهما بالكامل بعد طول انتظار. فقد كانت الأخوية مترددة كثيراً في تسليم المال، وقد تم الاتفاق في التبرئة المؤرخة في 18 أغسطس على أن يتوقف السداد على تسليم نسخة أخرى من اللوحة والتي يجوز للأخوية بيعها. "تتعهد الأخوية بوضع اللوحة المذكورة في غرفة في دير سان فرانسسكو لفترة أربعة أشهر حتى يتسنى للمعلم ليوناردو ومساعديه صنع نسخة مقلدة منها، ويستنثنى من ذلك أوقات العطلات حيث تعاد فيها إلى المكان المخصص لها". وفي التأريخ ذاته وقع امبريجو وليوناردو اتفاقاً يلتزم فيه أمبريجو بتنفيذ هذه النسخة، متحملاً أعباءها المادية والعملية تحت إشراف ليوناردو، وريعها يقسم مناصفة بينهما " في أمانة مجردة من الغش أو الخداع". ولا نعلم شيئاً عن تلك النسخة الثالثة من عذراء الصخور، على افتراض أنّها قد رُسمت بالفعل، ويحتمل أنّها هي النسخة الموجودة ضمن المجموعة السويسرية الخاصة أكثر من تلك النسخة التي تقل عنها جودة والموجودة في كنيسة افوري في ميلانو. كانت مساهمة ليوناردو فيها طفيفة لكنها مهمة. كان يصدر التعليمات، وأمبريجو ينفذ، وقد تلقى كل منهما نصف المكافأة.- أما عدم التساوي في العمل فيعكس التفاوت في درجتيهما كخبير ومساعد.
ويعود ليوناردو بحيوية متجددة إلى المرسم، بينما يستعيد نمط حياته في ميلانو. ونعلم من هذه الوثائق الأخيرة أنّه كان في أبرشية سانتا بابيلا، أو بالقرب من البوابة الشرقية، وعلى الأرجح كان مرسمه هناك. (وكان والد سيلاي ما يزال يسكن المنزل ذا الحديقة الواقع أمام بوابة فيرسيلينا)، وعلى كل حال لم يكن المنزل ليتسع للمرسم المزدحم، لحاجته إلى الكثير من المواد بصفة مستمرة، وبالتالي فإنّه من المناسب جداً أن يكون في أحد الأحياء الحرفية. ولنا أن نفترض وجود سالاي في الاستديو، وقد أصبح الآن رساماً بارعاً، وفرانسسكو ميلزي، والذي تعود أولى رسوماته في تأريخها إلى عام 1510، ولورينزو الشاب، الذي انفصل مرة أخرى عن اخته ديانيرا، وسرعان ما سنرى واحداً من أفضل تلاميذ ليوناردو الشباب، هو جيوفاني بيترو ريزولي المعروف باسم جيامبيترينو.
ويجوز لنا أن ننسب لهذه الفترة أيضاً لوحتين عظيمتين، من الأعمال التي استغرق تنفيذهما وقتاً طويلاً إلى أن وصلت إلى مرحلة ما من الاكتمال- وهما العذراء والطفل والقديسة حنا وليدا- ولوحة ثالثة على الأرجح تكتنفها هالة من الجمود التي عجزت عن الإفلات عنها إنّها الموناليزا.
إذن فنجد على حوامل ليوناردو تشكيلة رائعة لأربع سيدات، كل منها تعتبر دراسة مذهلة للأنوثة، وقد رسمت كل منها لسيدة مختلفة ثم خرجت في أبهى صيغ الجمال الأنثوي- أربع تأملات في الأمومة، كما يجوز لنا القول: القديسة حنا، والدة السيدة مريم، ومريم والدة المسيح، وليدا والدة أولئك الطيور الزغب، وليزا الأم والزوجة الفلورنسية الحقيقية.
وكما رأينا فإنَّ ليوناردو بذل جهداً مضنياً في رسم القديسة حنا في فلورنسا حوالي 1500-1501، إذ كان مخططاً لها أن تزين مذبح كنيسة البشارة، وفي عام 1501 عرض لها كارتوناً بالحجم الكامل، ضاع الآن، وقد أثارت ضجة في الأوساط الفنية بفلورنسا. والآن، وبعد سبع أعوام، يعمل على الموضوع ذاته، وتخرج النتيجة الباهرة في رسم يوجد الآن بالمعرض الوطني بلندن(لوحة 24)، والمعروفة بكارتون قصر بيرلنغتون، لأنها ظلت معلقة لسنوات عدة في مقر الأكاديمية الملكية في قصر بيرلنغتون. وهي عبارة عن لوحة كبيرة الحجم (55×40 بوصة)، بيد أنّها لا توحي بذلك الحجم لأسباب منها الشخوص القوية الأربعة التي تظهر في مقدمتها، وبالتالي تحتل جزءاً كبيراً من مساحة اللوحة بالفعل، وتبدو مثل صورة متفجرة قد أقتطعت من محيطها. الشخصية الأهم السيدة مريم، بيد أنّها جالسة، إلا أنّها احتلت المساحة الرأسية كلها تقريباً، بل في الحقيقة ضاع أصبع قدمها اليمنى تحت قاعدة الإطار. وللوحة سمة النحت، من ناحية الحس بالحجم، وكثافة تجسيد الشخصيات، وحتى التلوين، الذي يعطيها ومضة نحاسية خافتة(على الرغم من أنّ هذا اللون من فعل الزمن على سطح الصورة). بيد أنّ ليوناردو في هذه المجموعة المنحوتة قد حقق قواماً يفوق إمكانيات النحت، ويبدو الكارتون كما لو أنّه يجسد إحدى أمثولاته لتفوق التلوين على النحت: " ليس بمقدور النحت أن يبرز الأجسام المضيئة الشفافة مثل الشخصيات التي ترتدي غلالات رقيقة يستشف من ورائها اللحم العاري. ويتميز كارتون قصر بيرلنغتون بالهرمية بشكل كبير مثله مثل كارتون لوحة عذراء الصخور، ولكن كانت حركة الرسم التي يشتمل عليها ذلك الشكل لولبية ودائرية. وتنجذب العين إلى دوامة، ومحورها الرئيس مثل مغزل يبدأ خيطه بوجه المسيح الطفل الذي يتحرك إلى الأعلى في حركة انسيابية حول رأسي السيدتين، وينزل إلى جانب رأس السيدة العذراء وعلى امتداد يدها، ولكنه بدلاً عن إكمال الدائرة، ينطلق عبر أصبع السبابة في يد القديسة آن التي تشير إلى السماء. وحول هذه الحركة المركزية، التي تم التعبير عنها أيضاً في خطي غطاء الرأس للسيدتين، كانت هنالك التفافات وانسيابات الثوب، وهنالك مزق في الركبتين وآخر يتكرر في القدمين، ثم بعثرة من الحصي الصغير- فوضى قاع النهر الباعثة على الهدوء.
وكما في كثير من أعمال ليوناردو، هنالك سرد ضمني. كان اليوم حاراً، فجلسوا على صخرة بجانب نهر أو بركة ضحلة، يبردون أقدامهم في الماء بينما يستريحون. ومن خلفهم منظر طبيعي وعر ومقفر. نحن في سفح هضبة أكثر منها جبلاً- صخرية، وقاسية، وليس هنالك ما يكفي من النبات لنستظل به، ولكن لم ينقصنا الشعور (كما في منظر خلفية الجيوكندا) بالحركة البشرية. كانت هنالك إشارة إلى طريق، أو درب يقع خلف كتف السيدة مريم الأيمن، وعلى الجانب الآخر من المجموعة كانت هنالك أربعة خطوط تبدو كثيراً مثل أثر بوابة، وشكل مقوس ربما كان قنطرة صغيرة- في إشارة إلى الطريق الذي أتى منه هؤلاء الناس قبل أن يصلوا إلى هذه البقعة. وفي وسط كل هذا تلك اليد، التي تلتف وتلون وتفرخ مكاناً خاليا- الشيء الذي يعني لنا أنّهم ليسوا أفراد عائلة يمضون بعض الوقت معاً، ولكنها لحظة ذات دلالة روحية.
وقد نفذت الرسومات التمهيدية من أجل الكارتون بالقلم والحبر فوق الطبشور الأسود على ورقة موجودة الآن بالمتحف البريطاني. وأكبر الثلاثة ليس رسماً تمهيدياً فحسب، بل قالب فعلي على الكارتون بالحجم الطبيعي. وقد بلغت المجموعة مستوىً من التجلي، من خلال ما تتضج به اللوحة من اشتباك وتلامس، وقد تم قياس العمل مُقاساً وتأطيره وتجهيزه ليناسب أبعاد الكارتون التي قاربت الحجم الطبيعي. كان الكارتون هو نفسه مرسوما على أوراق مجمعة وملصقة بالصمغ (العملية ذاتها التي جرى تسجيلها في وثائق لوحة الانغياري لعام 1504). واستخدم ليوناردو ثمانية ألواح من الأوراق المبطنة بالقماش- أربعة منها بالحجم الكامل وأربعة أضيق في أعلى وأسفل اللوحة- ورسم عليها بالفحم المخفف بالطبشور الأبيض. كانت المواد المستخدمة في الرسم في غاية البساطة: الفحم والطبشور، أدوات إنسان الكهف. ولكن آثارها كانت من بعدٍ آخر، إنّها اختلاجات الفكر تنتفض على سطح الورقة.
رسم تمهيدي بمقايس رسم للعذراء والطفل مع القديسة حنا، والطفل يوحنا (كارتون قصر بيرلنغتون)
أسهمت جودة الورق المبطن العالية في نجاة الرسم من تواتر السنوات التي انطبعت على السطح، والتي يبدو أنّها أيضاً أصبحت جزءاً من هويته. وهنالك ندوب بسبب الماء، ومن اللف والطي. وقد تمت تغطية مزق في خلف الورقة بثلاث رقعات كبيرة من الورق، وهنالك طباعة قديمة غير مرئية على ظهر الزاوية اليسرى العليا للكارتون، تظهر فيها رؤوس بعض الأباطرة الرومان. كان الرسم في القرن السابع عشر يلصق على القماش: وتظل بصمات الحرفي عليه بينما يحاول إحكام عملية اللصق، وهي تظهر تحت العدسات المكبرة. وقد وصلت إلى إنجلترا في ظروف مجهولة، في وقت ما من القرن الثامن عشر- وقد أدرجت في البداية كجزء من مجموعة الأكاديمية الملكية عام 1779. ومذاك تعرضت لعدد من عمليات الترميم التخريبية. وأدعى مقّلد اللوحات إيريك هيبورن بأنّه أعاد رسم جميع الخطوط التي كانت مرسومة بالطبشور الأبيض في خمسينيات القرن العشرين أثناء إحدى عمليات الترميم السرية بعد ترك الكارتون عرضة لإشعاع ساخن في قبو قصر بيرلنغتون، ولكنها رواية غير مؤكدة. ولم تنتهِ بلاياها بنقلها إلى المعرض الوطني في عام 1962. ففي مساء اليوم السابع عشر من شهر يوليو عام 1987 وقف رجل أمام الكارتون وأطلق عليه النار من نقطة فارغة المدى ببندقيته ذات الخزانة الواحدة سعة 12 رصاصة. كان الزجاج الواقي يمنع وصول أي من الرصاصات إلى سطح اللوحة، ولكن لم يخفف ذلك من شدة الكدمة الناجمة- تشوهت اللوحة بسبب الحفرة الضحلة التي بلغ مداها 6 بوصات. استغرقت عملية الترميم ما يزيد على العام، بما في ذلك رسم الخرائط، وصيانة واستبدال ما يزيد على 250 جزءاً من الورق، " لم يتجاوز بعضها في الحجم أبواغ الفطر".
ليدا الجاثية لجيامبيترينو
لم يكن الكارتون مستخدماً في التلوين: ربما اعتبره ليوناردو بمثابة تجسيد نهائي لفكرة معينة. كان التلوين بالزيت في لوحة العذراء والطفل والقديسة حنّة الموجودة في اللوفر، أقل قوة، ويميز مجموعة أخرى مختلفة. الحمل، والذي ورد أنّه كان موجوداً في كارتون 1501، يعود للظهور مجدداً، بيد أنّ هذا لا يعتبر عودة إلى التصميم السابق، كما أنّ الطفل يوحنا ليس موجوداً في الصورة. تتبدل المجموعة، ويتغير المزاج، وتغسل اللوحة في نهر من العذوبة التي تبدو للبعض حسية، والشحنة الرئيسية للوحة تتمثل في أيقونة الطائر المحيرة كما لو أنّه زائف، والتي لاحظها فيستر الفرويدي، والتي عندما تُرى للمرة الأولى يستحيل ألا ترى مرة أخرى.
وتأريخ اللوحة مجهول وتتعدد الآراء. ووجهة النظر الأكثر معقولية هي أنّها قد رسمت في وقت لاحق للكارتون، ربما في 1510-1511: أي أنّها واحدة من اللوحات الثلاث التي عُرضت على الكاردينال لويجي الآراجوني في فرنسا عام 1517.
كما كان في المرسم آنذاك، ما قد يبدو على أنّه نسخة تتشكل وتتبلور من لوحة ليدا. الرسومات المتعددة لليدا الواقفة تتسم بالغموض(لوحة 29)، وليس هنالك من توثيق (على الرغم من تعدد الآراء) في ما يتعلق بهوية الرسام والتأريخ. ولكننا كما رأينا، هنالك موتيفة أخرى لليدا، موجودة في عدد من الرسومات التحضيرية تعود إلى عامي 1504-1505، والتي تظهر فيها جاثية. وهذه هي النسخة الملونة الوحيدة المعروفة، وربما كانت ذات علاقة وثيقة بورشة ليوناردو الميلانية في ذلك الوقت. وفيها استخدمت ألوان الزيت على لوح من خشب شجر المغث (alder)، وبريشة مساعده الموهوب جيامبيترينو، بيد أنّه عندما ظهرت في باريس في عام 1756، واشتراها والي هيسي كاسل وُصفت بأنّها :" هبة من ليوناردو دا فينشي". فالكلمة المستخدمة هي "Caritas" وتعني "الإحسان"- وقد كانت لوحة تجمع بين أمٍ وثلاثة أطفال وفي هذه المرحلة بالفعل كان الطفل الرابع (أسفل يمين اللوحة) قد رسم عليها. كتب جوته في 1803، " هنالك هبة من ليوناردو ضمن كنوز المعرض في كاسيل، وهي تفوق غيرها من اللوحات في جذب انتباه الفنانين والعشاق." وفي وقت ما تأكدت علاقة اللوحة بالرسومات التحضيرية لليدا الجاثية، وأعيد إليها الطفل الرابع. كان هنالك إصرار على نسبتها لليوناردو لفترة من الوقت، لأن اللوحة كانت ذات جودة عالية، ولكن لم يعد هنالك خلاف على أحقية جيامبيترينو بها. كان وجه ليدا متشابهاً في جميع لوحاتها: ودراسات ليوناردو بالقلم والحبر الموجودة في ويندسر كانت قوالبَ لها (صفحة 441). ( وربما علمنا اسم المرأة صاحبة ذلك "الشبه" الواضح بل عنوانها حتى- ولكن هذه مسألة لفصل لاحق.)
وقد كشفت المسوحات الفنية الحديثة التي أجريت على ليدا جيامبيترينو عن علائق أوثق بورشة ليوناردو. وقد بينت عمليات السبر بالأشعة تحت الحمراء لوحة تحتية أسفل سطح الطلاء، محددة بخط واضح من علامات المثقاب بشكل يتضح معه أنَّ اللوحة قد رُسمت على أساس اللوحة الكارتونية بالحجم الطبيعي. وعندها يصبح هذا الكارتون عبارة عن تطوير ليوناردو لرسوماته لليدا الجاثية التي نفذها في 1504: فالوضعية هي الأقرب، ولكن ليس لحد التطابق مع الرسوم الموجودة في تشاتسورث، بيد أنّ للوحة مزيداً من الأسرار لتكشف عنها، فللوحة طبقة سفلية أخرى، يُرى عليها رسمٌ جزئيٌ لمجموعة القديسة حنا: وقد بقي جزء واحد فقط من هذه اللوحة، ولكنه يقتفي أثر خط اللوحة الملونة الموجودة في اللوفر بدقة. وعليه فنجد بقايا من الكارتون المفقود للعذراء والطفل والقديسة يوحنا الموجودة باللوفر، تحت لوحة ليدا الجاثية لجيامبيترينو. وربما وجدت عدة نسخ هنا، ولكن التأريخ المحتمل للوحة اللوفر هو 1510-1511، وعلى يد فنان آخر، بيرنادرينو ماركيسيلي، أو بيرنازانو، مساعد سيزاري دا سيستو والمتخصص في هذا النوع من المناظر اللومباردية الخريفية الجارفة. وفي هذا الوقت ايضا وعلى أحد ألواح الرسم في مرسم ليوناردو نجد تصميماته للنصب التذكاري للمرتزق جيانياكومو تريفولزيو، العدو الأسبق لسفورزا الذي أصبح الآن مارشالاً على ميلانو. وفي وصية حررت في 1504 يخصص تريفولزيو 4000 دوكات من أجل نصب تذكاري في كاتدرائية القديس نازارو ماجيوري. ولقد تصوره كتمثال فارسٍ عملاق، ولم يكن اسم ليوناردو ببعيد عن ذهنه. واحتمالية هذا المشروع المربح ربما كانت سبباً آخر لعودة ليوناردو إلى ميلانو في عام 1506. وشبح حصان سفورزا المحطم يثور في رأسه. هنالك عدد من الدراسات للنصب والذي يتمثل في حصان برونزي وفارس(تم تحديد الحصان من قبل ليوناردو على أنّه من التشارجر(أحصنة النقل)، فوق قوس رخامي منقوش بإتقان. وقد رسم الحصام بواقعية وعاطفية تصلان إلى حد الدهشة. وهذه هي آخر مجموعاته حول الخيول: دينامية، دقيقة، متقنة، وبعد عقود طويلة من الشغف بالخيول. كان الراكب يتسم بالمثالية، محارب شاب، وفي الحقيقة كان تريفلوزيو شخصاً قوي البنية له وجه ملاكم.
دراسة لنصب تريفولزيو
وفي وثيقة تفتتح بالعبارة: " Sepulcro di Messer Giovanni Jacomo da Trevulzo" يقدر ليوناردو نفقات التمثال:
تكلفة الحديد للحصان والراكب 500 دوكات
تكلفة الصب بما في ذلك أعمال الحدادة للدخول إلى المثال وربط القال، وضروريات الفرن الذي سيتم فيه الصب 200 دوكات
تكلفة الصب، والقالب الطيني ثم قالب شمعي 432 دوكات
تكلفة القيام بتلميعه بعد صبه 450 دوكات
عليه فتقدر تكلفة التمثال وحده ب1582 دوكات. لأنَّ المنصة والقوس يكلفان حوالي 13 طناً من الرخام، مما يضيف إلى الحساب 1342 دوكات مقابل المواد والعمال. وهذه هي تقديراته. ربما لم تكن دقيقة، كما هو حال التقديرات الإيطالية على الدوام، ولكن الأمر لا يهم كثيراً، لأنّ تمثال تريفولزيو ليس سوى مشروع محتمل آخر لليوناردو. فليس هنالك دليل على تجاوز هذا المشروع لمرحلة التخطيط، وفي هذه الحالة عاش تريفولزيو حتى عام 1518 عندما توفي في تشارترز قبل ليوناردو بأشهر قليلة.
------------------------------------------------
ليوناردو دافنشي: رحلات العقل
تأليف: تشارلز نيكول
ترجمة: أميمة حسن قاسم
محاولة استعادة شيء من ليوناردو الإنسان هي مهمة هذا الكتاب- ذلك هو، ليوناردو الإنسان الحقيقي، الذي عاش في وقت حقيقي، وأكل أطباقاً حقيقية من الحساء، مقابل ليوناردو الرجل الخارق، متعدد التخصصات.
بتكليف ورعاية من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، وبدافع من حب المعرفة والسعي لنشرها قامت القرية الإلكترونية بتوفير هذه النسخة من كتاب ليوناردو دافنشي: رحلات العقل | تأليف: تشارلز نيكول | ترجمة: أميمة حسن قاسم
وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في جوجل بلس نأمل أن تحوز إعجابكم وأن تكون مساهمة في #نشر_المعرفة
صفحتنا الرسمية في فيس بوك :
منصتنا في جوجل بلس لمتابعة باقي مشروعاتنا
(جميع الحقوق محفوظة)
No comments:
Post a Comment