ليوناردو دافنشي: رحلات العقل
3-المعمدان وباخوس
" وتستمر القصة"- يقول فازاري-
عندما كلفه البابا بعملٍ ما، شرع ليوناردو على الفور في تقطير الزيوت والنباتات لصنع البرنيق، الذي تعجب البابا ليو لرؤيته قائلاً:" Oime, costui non e per far nulla, d ache comincia a pensare alla fine innanzi il principio "dell'opera[يا ويلي، سوف لن يصنع هذا الرجل أي شيء، لأنّه يفكر في النهاية قبل أن يبدأ العمل حتى"].
هكذا كانت علاقة البابا الشائكة مع ليوناردو (بيد أنّه لم يكن عميل ليوناردو الوحيد الذي يعرب عن هذا الشعور بالامتعاض). ورحيل جوليانو في بداية عام 1515 كان بمثابة إرهاص بأنّ مصير وضع ليوناردو في روما بات مجهولاً. سوف تكون سنةً تعيسة.
ومن الممكن أن العمل الذي كلفه به البابا الفلورنسي آنذاك هو رسم لوحة للقديس راعي فلورنسا، القديس يوحنا المعمدان. إنّه مجرد تخمين، بيد أنّ لوحة ليوناردو النصفية للقديس يوحنا (لوحة 28) جاءت في وقت لاحق بكل تأكيد- من الجائز جداً أنها آخر لوحاته، وربما كانت بدايتها بهذه الطريقة.
فإن كان الأمر كذلك فإن تعليق البابا ونبرة الإزرداء التي يحملها تبين أيضاً قصور فهمه لفن ليوناردو، لأنّ هذا التقطير الذي يتم على درجة من الدقة (للزيوت والنباتات) هو ما يمنح لوحة القديس يوحنا المعمدان ذلك السطح اللامع المتعدد الطبقات، وهالة الغموض التي تحيط بها وذلك التدرج في الإلوان. ومن بين أفران تقطير مرسم البلفيدير وأجهزته يتأمل ليوناردو "مركباته العجيبة" (كما يصفها فازاري)، ويتدبر في شكل ومزاج اللوحة التي سوف يرسمها بها. إنّ الراعي نافذ الصبر- "Oime!"- لا يعرف أنّ المعلم قد شرع في العمل بالفعل.
وهنالك في الحقيقة لوحتين اثنتين للقديس يوحنا المعمدان ضمن لوحات ليوناردو الأخيرة، كلاهما في اللوفر الآن. هنالك لوحة نصفية ذات خلفية قاتمة هي المذكورة آنفاً، وأيضاً لوحة له أكبر بالحجم الكامل، جالساً في منظر طبيعي، وهي التي يمكن تسميتها القديس يوحنا في الصحراء، بيد أنّ ذلك بفضل بعض الإضافات التي نفذت على الشكل- وقد حدث هذا على ما يبدو بعد وقت طويل من وفاة ليوناردو- ودائماً ما كانت اللوحة تسمى بالقديس يوحنا في سيماء باخوس (صفحة 473). وليس هنالك ثمة توثيق لأيٍ من هاتين اللوحتين. كل ما نعرفه أنّ واحدة منها هي "San Iohanne Baptista giovane"- والتي رآها أنطونيو دي بياتيس في فرنسا عام 1517، وأنّهما الاثنتين كانتا في المجموعة الملكية الفرنسية حتى القرن السابع عشر. وربما كانت أولى اللوحتين هي يوحنا في الصحراء: والشجرة التي تظهر في المنظر يمكن مقارنتها بالشجرة الموجودة في لوحة العذراء والطفل والقديسة حنّة في اللوفر. أما المدى التاريخي لهذه الأعمال المتأخرة فيطول ويتسع، ولكن لوحة القديس يوحنا النصفية تشبه في جمالها وغموضها أقربها إلى أن تكون تصريحاً نهائياً مبهماً، أو في الحقيقة سؤالاً أخيراً. فبحسب بياتيس، توقف ليوناردو عن الرسم أثناء إقامته في فرنسا، ولكن لا يستطيع المرء تصور أنّ هنالك لوحة معلقة في مرسمه قد ظلت بعيدة عن مرمى فرشاته من لمسة هنا، أو طبقة جديدة من الطلاء الملمع هناك، سواءً أكان ذلك بيد المعلم نفسه أو أحد تلاميذه، وكذلك كانت فترة "الإنشاء"- فإن كان العمل أقل كثيراً مما تعنيه الكلمة- فربما استمر خلال السنوات والأيام الأخيرة في حياته.
التحولات الملائكية: دراسة لأحد التلاميذ للملاك البشير على ورقة تعود إلى 1504-1505 (إلى اليسار) وصورة أمامية كاملة لتجسد الملاك من سنوات روما.
وكما هو الحال في جميع أعماله الأخيرة، كان القديس يوحنا هو المرحلة الأخيرة من عملية طويلة للتعريف وإعادة التعريف. لقد كانت المرحلة الأولى المسجلة عبارة عن رسم تمهيدي صغير في ويندسور، على ورقة بها دراسات لمعركة الانغياري وبالتالي يجوز تأريخها في 1504-1505. من ناحية الخلق فإن لوحة القديس يوحنا تعود في جذورها إلى تلك الفترة الفلورنسية التي تنتمي إليها غيرها من لوحاته الأخيرة مثل ليدا والعذراء والطفل والقديسة حنّة. ويظهر الملاك المبشِّر بالفعل في رسم ويندسر- الملاك جبريل- عوضاً عن القديس يوحنا، لكن الوضعية هي ذاتها، والذراع اليمنى التي تشير إلى الأعلى بشكل رأسي، والكف اليسرى التي تلتصق بالصدر. لقد كان الرسم بيد أحد التلاميذ (سالاي؟ فيراندو سبانيولو؟)، ولكن ليوناردو على الأرجح من قام بتصحيح زاوية الذراع الأيمن. لقد تم عكس الإنشاء بشكل دقيق في لوحة موجودة الآن في باسلي، بريشة أحد "تابعي" ليوناردو المجهولين، وفي رسم بيد باكيو باندينيللي، النحات الفلورنسي المعروف بمشاحناته العلنية مع مايكل آنجلو وسيليني، وبتمثاله لهرقل وكاكوس أمام القصر القديم. كلا هاتين النسختين تحملان وجه القديس يوحنا في اللوحة النصفية مع وضعية الملاك في رسم ويندسور. وهنالك دراسات أخرى لتلك اليد اليسرى: واحدة في مخطوطة أتلانتكس بيد أحد التلاميذ، والأخرى – دراسة رائعة بالطبشور الأحمر في أكاديمية البندقية- بيد ليوناردو .
النسخة الأكثر استثنائية لهذه الشخصية هي رسم صغير على ورقة زرقاء، أُعيد اكتشافه عام 1991، وقد ظل حبيساً لسنوات ضمن مجموعة خاصة لإحدى "العائلات الألمانية النبيلة". حيث الملاك بوقفته ذاتها، ولكنه لم يعد بأجنحة مثل الملائكة- وقد كان له وجه مبهم إلى درجة مثيرة للقلق، وحلمة أنثى، ويبدو انتصابه الكبير تحت الغلالة الرقيقة التي كان يحملها في يده اليسرى. (كانت هنالك جهود في وقت ما لمحو السمة الأخيرة، الشيء الذي تسبب في بقعة بنية-رمادية حوله: هذا هو اللون الأصلي للورقة بدا من تحت الطلاء الأزرق لسطحها.) ويجوز تأريخ اللوحة في 1513-1515- حقبة روما- ويرجح أنّها كانت معاصرة للوحة القديس يوحنا.
اللوحة المحيّرة، والتي تسمى الآن بتجسّد الملاك- "أعطي الملاك جسداً"- أثارت ضجة كبيرة عند عرضها لأول مرة في مدينة نيويورك عام 1991، وقد أثارت اهتمام الدارسين والأطباء النفسيين أيضاً مذّاك. يقول اندريه غرين:
يقابل المرء هنا جميع المتناقضات، ليس فقط بين المؤنث والمذكر، ولكن بين مستوى من النشوة وحزن يكاد يصل حد الشقاء. الفم مثير جداً وطفوليّ، مغلق ونصف مفتوح، أخرس وعلى وشك أن يتحدث. الشعر المجعد سمة قد نجدها في الجنسين كلاهما. وسرعان ما نشعر بالتوتر، ويزيد منظر الانتصاب هذا الشعور بلا شك، وهو ما يمكن رؤيته من خلف الغلالة. ربما كان هنالك شيء شيطاني وراء المخلوق الملائكي، ولكننا لا نستطيع أن نجزم بأن انزعاجنا كان نابع مما يعكسه التفسير أو من الصعوبة التي نواجهها نحن في إيجاد منطق ما في العمل ككل، أو نابعة من عدم التوافق بين التطلعات السماوية والشهوات الجسدية.
ويرى المعالج بالفنون لوري ويلسون "القبح الفاسق" للوحة نابع من "صعوبات في تجسيد المشاعر السلبية أو السيطرة عليها"- ثمرة للذنب الجنسي- إن أراد المرء تلطيف الأمر. ولا يخلو مثل هذا القبح من تحدٍ- دعوة للتجاوب مع الرسم كنوع من الإباحية التحولية المتخصصة. لقد أصبح الملاك مأبون لامع المظهر عُثر عليه في قاع أسواق البغاء الرومانية. واستنكرت التحية الملائكية بدخول العاهرة، تشير الأجزاء الغائرة من الوجه إلى الإعياء، وهو ما يشير بالمقابل إلى الزهري، وهنالك نظرة عوز وتذلل في تلك الأعين الواسعة التي تشبه أعين الدمى. (من العجيب أن الأعين الواسعة كانت سمة بالفعل في رسم التلميذ للملاك من عام 1505: كان هذا جزء من الفكرة المبدئية.)
وثمة خلفية لهذا، لأنّه دائماً ما كان هنالك تيار من التصورات- مبتذلة كانت أو رمزية، بحسب طريقة عرضها- تشير إلى البشارة كنوع من التلقيح للسيدة العذراء بواسطة الملاك جبريل، الذي يجلب الروح القدس التي "تشعل" رحمها. التأويل الأيروسي لهذا موجود في أعمال جريئة مثل ملكة الشرق لبوتشي، والتي عرفها ليوناردو واقتبس منها، حيث يقال أنّ الملاك جبريل قدم لها عضواً تناسلياً عجائبياً لرجل شاب: فقالت " من أنّى لك ذلك الشيء يا حبيبي؟" فأجاب " الملاك جبريل أظهره لي بمشيئة الله". " لا عجب" (قالت) إنّه لجمال بديع إن هبط من السماء مباشرة." وكانت الفكرة التجديفية التي تقول بأنّ البشارة كانت اتصالاً جنسياً ليست بغريبة على الأسماع في إنجلترا في عهد الملكة اليزابيث. حيث كان إيرل اكسفورد الشاب الارستقراطي المراوغ، والذي سافر إلى إيطاليا كثيرا، يحب أن يغيظ ضيوفه على مائدة العشاء بقول ذلك. كان يوسف "ديوثاً" [قوّاداً على أهله]، وحيث قيل أنّ كريستوفر مارلو، مفسّر ميكافيللي في عهد الملكة إليزابيث، كان يقول: " لقد كان جبريل عشيقاً للروح القدس، لأنّه أقرأ مريم السلام."
" وقد تم التعبير عن "السلام" على مريم بدقة برفع اليد اليمنى في الرسم التمهيدي ورسومات الملاك المبشّر التي وجدناها منذ 1505، وفي تجسّد الملاك أُضفي على الإيماءة هذه النبرة المنحرفة للعهر الذي كان جزءاً من تقاليد القرن السادس عشر الإلحادية.
يبدو أنّ هذا كله يستدعي تلك المذكرة المشفّرة التي كتبها ليوناردو، ثم كشطها، على ورقة موجودة الآن في المخطوطة الاتلانتيكية. ويجوز تأريخ الورقة إلى حوالي عام 1505، حيث كان هنالك أيضاً حصان صغير من الانغياري على ظهر الورقة.
كانت الكلمات التي كتبها ليوناردو هي: " عندما رسمت المسيح الطفل أدخلتني السجن، والآن إن أظهرته بالغاً فسوف تفعل بي ماهو أنكأ." وقد تم تفسير الجزء الأول من العبارة على إنه إشارة إلى مساجلاته مع ضباط الليل في عام 1476، والتي ربما شملت لوحة أو تمثالاً طينيا يجسّد فيه جاكوبو سالتريللي دور المسيح في شبابه، والجزء الثاني يبدو أنّه يختص بعمل معروض على ليوناردو الذي يخشى أن يكون أكثر استفزازية من سابقه. أما ما لم يقال مباشرة فيها فهو التقارب المزعج للمثلية الجنسية والروحانية في تصوير الملائكة والمسحاء الصغار: كانت مُثُله من الشباب المرغوبين جنسياً، وثمة شحنة من الإثارة المثلية حاضرة في جميع ملائكته (البشارة، عذراء الصخور، تمثال سان جينارو الطيني)، وماهو متجسد بشكل أكبر في الصورة الأمامية بالحجم الكامل لتجسّد الملاك.
العلاقة بين هذا الملاك والقديس يوحنا الموجود باللوفر لها ما يوازيها في غيرها من الأعمال المتأخرة- التغيرات الإنشائية في موضوع واحد، كما في الوضعيات المختلفة لليدا، أو المجموعة المتغيرة لرفقة القديسة حنّة- ولكن في القديس يوحنا تعتبر التغيرات نوعاً من التورية، وتنقيحاً في الغالب. فلم تعد الذراع اليمنى ممتدة إلى الأمام، كاشفة جبين الملاك أو القديس، بل موضوعة عبر صدره، لإخفاء برعم النهد المراهق ذاك، وأيضاً لتستر تلك الأصابع الجميلة لليد اليمنى (بيد أنّها تظل هي تلك اليد اليسرى ذاتها في الجزء الظاهر). وهنالك المزيد من التغطية بفضل عباءة الفرو، وفي الحقيقة هي فضل وضع الحد الأسفل للوحة، والذي يقطع الجسد من فويق الردفين.
مظهر الملاك غائر العينين تم تحويله إلى وجه مشرق متألق تحفه حلقات من التجعيدات والالتفافات الكستنائية: وقد أضفيت الخنوثة على مظهر الشخصية دون تصريح واضح كما في الرسم. وعند الانسحاب من تحديد الجنس، فإنّ ليوناردو يخلق أزدواجية أكثر رسوخاً وأناقة. تحتفظ لوحة اللوفر بلمحة مثيرة للمشاعر من المثلية الجنسية هنا- وشبه الوجه بصورة نموذجية لسالاي تكرّس لعلاقة بين اللوحة وحياة ليوناردو الشخصية- ولكن تندرج في الألق الجليل للوحة. وقد كانت هذه "الزيوت والنباتات" المقطرة في البلفدير هي البلسم الشافي لأعراض المرض والفساد في لوحة تجسّد الملاك. رويداً رويداً، وبهدوء تام، ومرة بعد الأخرى كانت تضاف إلى اللوحة، وفوق كل طبقة طبقة أجمل حتى بدا أنّ الشخص الذي نراه هناك- شهوانياً وروحانياً، ذكورياً وأنثوياً، خاطيء وقديس في آن- هو الذي جمع أشتات حيواتنا المبعثرة والمتقلبة.
بيد أنّه مرتبط من حيث التصوير والإيمان بملاك البشارة، إلا أنّ لوحة تجسّد الملاك تشتمل على إشارة أخرى مغايرة تماماً، وربما تتعلق بالقدر نفسه بباخوس العليل "Bacco malato" وهو موتيفة معروفة في عمل كارافاجيو. وربما يشير هذا الشيء إلى نمذجة بين تعديل بين الأيقونات المسيحية والوثنية من النوع الذي نراه في لوحة ليدا. ليدا هي نسخة وثنية من السيدة العذراء، صورة لأمومة إعجازية لم تحبل من الروح القدس على هيئة حمامة ولكن من إله تقليدي صاخب سيء السمعة في جسد بجعة.
إن باخوس هو النسخة الرومانية من ديونيسوس- والاسم تحريف لاسم ياخوس، وهو كنية أطلقت على ديونيسوس بسبب صخبه (من الكلمة الأغريقية iache، الصرخة)- ومثل ديونيسوس، كان أكثر من مجرد إله للنبيذ والاحتفالات: إنّه أساس قديم للطبيعة التناسلية، وبالتالي فهو فحل كما صوره ليناردو هنا. لقد كان ابناً لجوبيتر، ويقال أنّه "انبثق من فخذ جوبيتر" (لأنّه بعد موت والدته، سميلي، وضعه جوبيتر في فخذه وخاطه ليرعاه)- وبلا شك في هذا مافيه من إضافة رمزية لفحولته. شخصية باخوس ذات شبه كبير بشخصية ليدا- رمز الخصوبة والتناسل الوثني- وسوف يبدو أنّ الرابط بينهما كان محدداً، مرة أخرى بالنسبة لإنتاج ليوناردو في عام 1505 لأنّ في ذلك الوقت بالتحديد كان دوق فيرارا يكتب الخطابات حول "باخوس ليوناردو"، وحتى ذلك الوقت أشارت الخطابات إلى شخص ما يمتلكه، ويبدو أنّ هذا العمل العبقري المفقود قد خرج من مرسم ليوناردو الفلورنسي، في الوقت ذاته الذي نفذت فيه دراسات ليدا الأولية. ربما كان لباخوس المفقود بعض وجه الشبه مع رسم ويندوسر لملاك البشارة والذي يعود أيضاً إلى عام 1505 في تأريخه.
مرض باخوس الذي يلمّح إليه الملاك الروماني الذي يأتي لاحقاً جزء من طبيعته كإله نباتي أو إله خصوبة: فهو يشير إلى ما وهن ما بعض الولادة أو ما بعد الجماع- إنّه إله خريفي، إله الانسحاب. وفي نسخة ليوناردو كان ما يزال متورماً بينما ما زال مريضاً- وحركة الزمن أو سيره واضحة في الرسم. لقد انتهى الحفل أو أوشك على ذلك، ولكن ليس تماماً.
القديس يوحنا في الصحراء، والذي صُنف مؤخراً على أنّه باخوس
موضوع باخوس هذا وثيق الصلة أيضاً بلوحة ليوناردو الأخرى للقديس يوحنا بالحجم الكامل، القديس يوحنا في الصحراء، والتي تحمل صفات باخوس بالتحديد. لقد تم التوثيق للوحة لأول مرة في المجموعة الملكية الفرنسية في فونتاينبلو عام 1625. وقد وصفت في كشّاف فاونتينبلو الأول باسم :"St. Jean au desert"، ولكن في كشاف عام 1695 تم تغيير العنوان بعد كشطه ب"Baccus dans un paysage". وقد أدى هذا إلى نشوء افتراض بأن سمات باخوس- جلد النمر، وتاج أوراق العنب، والأعناب والحاشية الباخوسية، أو الصولجان المصنوع من صليب المعمدان- والتي أضيفت فيما بعد في أواخر القرن السابع عشر.
ولم يدحض الاختبار التقني أو يؤيد هذه النظرية (لا يمكن للأشعة السينية المساعدة: فقد تمت معالجة اللوحة بالرصاص الأبيض عند نقلها إلى القماش في القرن التاسع عشر الشيء الذي يجعلها غير قابلة لاختراق الأشعة". ومن الجائز بالقدر نفسه أنّ هذه المزاوجة بين المعمدان وباخوس كانت جزءاً من الفكرة الأساسية، وربما لم تثر انتباه المصنفين الأوائل ببساطة. لقد تم تصوير المعمدان تقليدياً وهو يرتدي معطفاً من جلد الخروف، والذي أصبح جلد نمر بإضافة بعض النقاط أو البقع- كانت النمور في ذلك الوقت تعتبر مكافئة للفهود.
وهنالك تعديل سابق للوحة منسوب لسيزاري دا سيستو أحد تابعي ليوناردو وهو يشير إلى أنّ هذه المسحة الوثنية كانت خالصة لشخصية القديس يوحنا التي رسمها ليوناردو. كان سيزاري نفسه في روما في حوالي عام 1513، وربما كان على اتصال بليوناردو هناك. وكان رسمه للمعمدان متأثراً بشدة برسم ليوناردو، حتى أنّه نسخ عنه أصبع رجله اليسرى الكبير المفلطح. إنّه ليس باخوس- ليس هناك ثمة إكليل من أوراق العنب، ولا جلد نمر، ولا عناقيد من العنب- ولكن هنالك شيئين فاجآني بشدة. الأول أن وجه المعمدان في لوحة سيزاري كان يحمل شيئاً من الأعين المطفأة الغائرة في لوحة تجسّد الملاك، وأيضاً عباءته الرقيقة. الشيء الثاني هو صولجان عطارد. عطارد هو رسول أو منادي الآلهة، وهو موازٍ للقديس يوحنا المعمدان الذي بُعث "ليمهد طريق الرب"، وربما كان أيضاً ذو صلة بالرسول الآخر، الملاك جبريل. وعليه فإنّ سيزاري هو الآخر يلعب هنا لعبة السمات الوثنية والإعدادات، وهذه الشخصية الملونة والعنيدة من آخر سني ليوناردو تأخذ شكلاً آخر- الملاك، المعمدان، باخوس، عطارد: رسل عالم الأرواح، للحياة الجديدة التي تهتز وسط عالم من المرض والموت. " من هو ذا الذي يبعث هذا اللهب الذي يخبو دائماً؟".
------------------------------------------------
ليوناردو دافنشي: رحلات العقل
تأليف: تشارلز نيكول
ترجمة: أميمة حسن قاسم
محاولة استعادة شيء من ليوناردو الإنسان هي مهمة هذا الكتاب- ذلك هو، ليوناردو الإنسان الحقيقي، الذي عاش في وقت حقيقي، وأكل أطباقاً حقيقية من الحساء، مقابل ليوناردو الرجل الخارق، متعدد التخصصات.
بتكليف ورعاية من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، وبدافع من حب المعرفة والسعي لنشرها قامت القرية الإلكترونية بتوفير هذه النسخة من كتاب ليوناردو دافنشي: رحلات العقل | تأليف: تشارلز نيكول | ترجمة: أميمة حسن قاسم
وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في جوجل بلس نأمل أن تحوز إعجابكم وأن تكون مساهمة في #نشر_المعرفة
صفحتنا الرسمية في فيس بوك :
منصتنا في جوجل بلس لمتابعة باقي مشروعاتنا
(جميع الحقوق محفوظة)
No comments:
Post a Comment