رحلة في البادية لـ إسكندر الحايك ضمن مشروعنا #أدب_الرحلة نعيد نشرها بتكليف ورعاية كريمة من الشاعر الإماراتي #محمد_أحمد_السويدي
رحلة لرجلين على ظهر الخيل استمرت مائة وثلاثين يوماً تضمنت كثيراً من المخاطر والغرائب قام بها إسكندر يوسف الحايك بطلب من باسيل كورباه أحد رجال الحكم القيصري الروسي الذي جاء المشرق ليجوب البادية الآهلة بالقبائل العربية لغاية سياسية. بدأت الرحلة من القاهرة إلى بيروت ثم دمشق فدير الزور ونينوى والموصل وديار بكر وبغداد وشبه الجزيرة العربية.
(1) مع متصّرف دير الزور
كانت دير الزور في تلك الآونة متصرفية مربوطة رأساً بالأستانة فلم تكن تابعة لإحدى الولايات. وكانت محطة للعربان يبيعون صوفهم وسمنهم وغنمهم في أسواقها ويستلفون من تجارها المال على الحاصلات.
9 نيسان:
استيقظت ورفيقي السائح حوالي الساعة الثالثة صباحاً فجلسنا بثياب النوم على ضفة الفرات نمتع الأنظار بمياهه وتناولنا القهوة هنالك وكان الطقس جميلاً والهواء منعشاً وكنا نفكر في أمر مصيرنا في الجزيرة وكنا قد أزمعنا السفر إليها فأخذنا نضرب أخماساً بأسداس معلقين رجاءنا على الخالق عز وجل وطلع النهار فتناولنا طعام الصباح وارتدينا ملابسنا وذهبنا عند الساعة الثامنة إلى السراي نريد مقابلة المتصرف وكان شاباً في مقتبل العمر فرحب بنا كثيراً واستقبلنا بكل بشاشة. وعندها أثبتنا له إننا نبغي السفر إلى الجزيرة ورجونا منه أن يقدم لنا المساعدة اللازمة وكنت أعتقد إننا نكتفي بعشرين فارساً مسلحاً فطلبت إليه هذا العدد فابتسم وقال: إذا كنتم ترومون اجتياز الجزيرة فيلزمكم على الأقل خمسمائة فارس بأسلحتهم الكاملة ولا سبيل إلى إمدادكم بهذا العدد. وأني أنصح لكم بالعدول عن هذه السفرة فإنها محفوفة بالأخطار. قلت: سنذهب إلى الجزيرة وليس ما يثبط عزيمتنا!
قال: بعثت الدولة بخمسمائة فارس يجمعون الأعشار فسطا عليهم العربان وقتلوا منهم وجرحوا ففر البقية ناجين بأنفسهم ووصلوا إلينا مذعروين يقصون علينا ما كان من أمرهم في تلك الجزيرة فنقلت الخبر إلى أولياء الأمر في الأستانة. وتجهز الدولة الآن حملة قوية لتطويع أولئك القوم ومجازاة الذين ثاروا على الفرسان وفتكوا بهم. قلت: ولكن ذلك لا يمنعنا من القيام برحلتنا.
قال: أنك لفي خطأ يا صاح وحرام عليك أن تخاطر بحياتك وحياة الذين سيرافقونك على إنه إذا كان لابد من سفركم إلى الجزيرة فأني سأطلب منكم قبل ذلك أن توقعوا وثيقة مآلها أنكم مسافرون على مسئوليتكم الخاصة.
قلت: أكتب ما تشاء فيوقعها رفيقي بخطه. عندها نادى أحد كتابه وأمره بإنشاء الوثيقة فكتبها الكاتب باللغة الفرنسية وأخذتها إلى رفيقي ليوقعها فوقعها بعد أن دار بيني وبينه جدال طويل بشأن الأخطار المزمعين عليها في تلك الجزيرة وهذه ترجمة تلك الوثيقة:
أنا الموقع أدناه باسيليوس كورباه من التابعية الروسية أصرح بأنني مسافر إلى الجزيرة على عهدتي الخاصة وقد أقدمت على هذا السفر على الرغم من نصائح متصرف دير الزور الذي أنبأني بكثرة الأخطار المحدقة بي في تلك الجزيرة وإشعاراً بالواقع كتبت بيدي هذه الوثيقة في اليوم التاسع من شهر نيسان من سنة 1914.
الإمضاء: باسيليوس كورباه.
ثم طلبت من المتصرف أن يتكرم علينا بدركيين يرشداننا إلى الطرقات فوعدني إنه يسعى لإجابة مطلبي وقال لي أن أعود إليه في صباح اليوم التالي. ودعت المنصرف وعدت إلى مركز خيامنا لأشرع بإعداد عدتنا للسفر إلى الجزيرة فوجدت قومنا نائحين باكين وكانوا قد فهموا إننا مزمعين التوغل في الجزيرة مهما كلفنا الأمر فوضعوا نصب أعينهم الموت وحسبوا إنهم لا محال هالكون، فأخذت أشجعهم وأهدئ روعهم بشتى الطرق، على أنني لا أنكر إننا كنا أنا ورفيقي السائح خائفين خوف رجالنا نظراً لشدة الأخطار والأهوال التي كنا مزمعين أن نتعرض لها.
10 نيسان:
عدت باكراً إلى المتصرف لأعرف ما إذا كان أعد لنا الدركيين فقال لي إنه لم يتوفق إلا إلى دركي واحد وكان ذاك الدركي واقفاً على مدخل السراي وناداه المتصرف وكان اسمه أحمد الغزاوي. فسألته ما إذا كان يريد الذهاب بمعيتنا فأجاب بالإيجاب ثم سألته ما إذا كان يسعه أن يستصحب رفيقاً ثانياً فقال: إن لي صديقاً عزيزاً سأقنعه بمرافقتي قلت على كل حال نحن ننتظرك في خيامنا هذا المساء لأننا عزمنا على السفر في صباح الغد. ودعت المتصرف شاكراً بعد أن سلمته الوثيقة وكان لا يزال يلح علي بالعدول عن رحلتنا هذه. عدت إلى الخيام وباشرت إعداد العدة للسفر مجتزئاً بما نحتاج إليه أشد الحاجة تاركاً جانباً كل ما كان بوسعنا أن نستغني عنه واضعاً جميع ذلك في صناديق سلمتها إلى تاجر من دير الزور وقد طلبت إليه أن يرسلها إلى عميله في حلب نستلمها منه بوصولنا إليها.
وإذ كنت بعد ظهر ذلك اليوم أفكر في أمر مسيرنا وقد اسودت السماء في وجهي إذا برجل جليل يدخل علي وكانت ملامحه تدل على إنه شيخ إحدى القبائل العربية فرحبت به ودعوته للجلوس فجلس وقال: أنا محمد شيوخ شيخ قبيلة شمر، وقد بلغني أنكم ذاهبون إلى الموصل سالكين طريق الجزيرة.
قلت: نعم، وكيف عرفت ذلك؟
قال: خبركم قد شاع في كل المدينة
قلت: وما رأي الشيخ في هذه الرحلة
استيقظت ورفيقي السائح حوالي الساعة الثالثة صباحاً فجلسنا بثياب النوم على ضفة الفرات نمتع الأنظار بمياهه وتناولنا القهوة هنالك وكان الطقس جميلاً والهواء منعشاً وكنا نفكر في أمر مصيرنا في الجزيرة وكنا قد أزمعنا السفر إليها فأخذنا نضرب أخماساً بأسداس معلقين رجاءنا على الخالق عز وجل وطلع النهار فتناولنا طعام الصباح وارتدينا ملابسنا وذهبنا عند الساعة الثامنة إلى السراي نريد مقابلة المتصرف وكان شاباً في مقتبل العمر فرحب بنا كثيراً واستقبلنا بكل بشاشة. وعندها أثبتنا له إننا نبغي السفر إلى الجزيرة ورجونا منه أن يقدم لنا المساعدة اللازمة وكنت أعتقد إننا نكتفي بعشرين فارساً مسلحاً فطلبت إليه هذا العدد فابتسم وقال: إذا كنتم ترومون اجتياز الجزيرة فيلزمكم على الأقل خمسمائة فارس بأسلحتهم الكاملة ولا سبيل إلى إمدادكم بهذا العدد. وأني أنصح لكم بالعدول عن هذه السفرة فإنها محفوفة بالأخطار. قلت: سنذهب إلى الجزيرة وليس ما يثبط عزيمتنا!
قال: بعثت الدولة بخمسمائة فارس يجمعون الأعشار فسطا عليهم العربان وقتلوا منهم وجرحوا ففر البقية ناجين بأنفسهم ووصلوا إلينا مذعروين يقصون علينا ما كان من أمرهم في تلك الجزيرة فنقلت الخبر إلى أولياء الأمر في الأستانة. وتجهز الدولة الآن حملة قوية لتطويع أولئك القوم ومجازاة الذين ثاروا على الفرسان وفتكوا بهم. قلت: ولكن ذلك لا يمنعنا من القيام برحلتنا.
قال: أنك لفي خطأ يا صاح وحرام عليك أن تخاطر بحياتك وحياة الذين سيرافقونك على إنه إذا كان لابد من سفركم إلى الجزيرة فأني سأطلب منكم قبل ذلك أن توقعوا وثيقة مآلها أنكم مسافرون على مسئوليتكم الخاصة.
قلت: أكتب ما تشاء فيوقعها رفيقي بخطه. عندها نادى أحد كتابه وأمره بإنشاء الوثيقة فكتبها الكاتب باللغة الفرنسية وأخذتها إلى رفيقي ليوقعها فوقعها بعد أن دار بيني وبينه جدال طويل بشأن الأخطار المزمعين عليها في تلك الجزيرة وهذه ترجمة تلك الوثيقة:
أنا الموقع أدناه باسيليوس كورباه من التابعية الروسية أصرح بأنني مسافر إلى الجزيرة على عهدتي الخاصة وقد أقدمت على هذا السفر على الرغم من نصائح متصرف دير الزور الذي أنبأني بكثرة الأخطار المحدقة بي في تلك الجزيرة وإشعاراً بالواقع كتبت بيدي هذه الوثيقة في اليوم التاسع من شهر نيسان من سنة 1914.
الإمضاء: باسيليوس كورباه.
ثم طلبت من المتصرف أن يتكرم علينا بدركيين يرشداننا إلى الطرقات فوعدني إنه يسعى لإجابة مطلبي وقال لي أن أعود إليه في صباح اليوم التالي. ودعت المنصرف وعدت إلى مركز خيامنا لأشرع بإعداد عدتنا للسفر إلى الجزيرة فوجدت قومنا نائحين باكين وكانوا قد فهموا إننا مزمعين التوغل في الجزيرة مهما كلفنا الأمر فوضعوا نصب أعينهم الموت وحسبوا إنهم لا محال هالكون، فأخذت أشجعهم وأهدئ روعهم بشتى الطرق، على أنني لا أنكر إننا كنا أنا ورفيقي السائح خائفين خوف رجالنا نظراً لشدة الأخطار والأهوال التي كنا مزمعين أن نتعرض لها.
10 نيسان:
عدت باكراً إلى المتصرف لأعرف ما إذا كان أعد لنا الدركيين فقال لي إنه لم يتوفق إلا إلى دركي واحد وكان ذاك الدركي واقفاً على مدخل السراي وناداه المتصرف وكان اسمه أحمد الغزاوي. فسألته ما إذا كان يريد الذهاب بمعيتنا فأجاب بالإيجاب ثم سألته ما إذا كان يسعه أن يستصحب رفيقاً ثانياً فقال: إن لي صديقاً عزيزاً سأقنعه بمرافقتي قلت على كل حال نحن ننتظرك في خيامنا هذا المساء لأننا عزمنا على السفر في صباح الغد. ودعت المتصرف شاكراً بعد أن سلمته الوثيقة وكان لا يزال يلح علي بالعدول عن رحلتنا هذه. عدت إلى الخيام وباشرت إعداد العدة للسفر مجتزئاً بما نحتاج إليه أشد الحاجة تاركاً جانباً كل ما كان بوسعنا أن نستغني عنه واضعاً جميع ذلك في صناديق سلمتها إلى تاجر من دير الزور وقد طلبت إليه أن يرسلها إلى عميله في حلب نستلمها منه بوصولنا إليها.
وإذ كنت بعد ظهر ذلك اليوم أفكر في أمر مسيرنا وقد اسودت السماء في وجهي إذا برجل جليل يدخل علي وكانت ملامحه تدل على إنه شيخ إحدى القبائل العربية فرحبت به ودعوته للجلوس فجلس وقال: أنا محمد شيوخ شيخ قبيلة شمر، وقد بلغني أنكم ذاهبون إلى الموصل سالكين طريق الجزيرة.
قلت: نعم، وكيف عرفت ذلك؟
قال: خبركم قد شاع في كل المدينة
قلت: وما رأي الشيخ في هذه الرحلة
وللحديث بقيّة
No comments:
Post a Comment