«مدرج فيرونا» من مشروعنا المتجدد الرحلة الإيطالية لشاعر ألمانيا العظيم «جوته» ،يقوم على رعايته وإختيار وترجمة مادته الشاعر والرحالة الإماراتي #محمد_أحمد_السويدي
إن المدرّج هو أول نصب عظيم من أنصاب العالم القديم تقع عليه عيناي.
وياله من مدرج يحتفظ بمعالمه! حين دخلته، ثم حين جبت في ارجائه وصولاً الى حافته العليا، غمرني شعور خاص بانني انظر في فراغ، رغم عظمة المدرج.
فما ينبغي لهذا المدرج ان يرى فارغاً، بل ان يكون ضاجاً بالبشر، كما كان حاله في الآونة الاخيرة في مناسبة تكريم جوزيف الاول والبابا بايوس السادس. ويقال ان الامبراطور الذي اعتاد استقبال الحشود، ذهل للأمر. ولكن ما كان للمدرج ان يترك الاثر العميق التام إلا في العصور الغابرة، يوم كان الشعب شعباً بحق، اكثر مما هو عليه الحال في يومنا هذا. فمثل هذا المدرج قد صمم، في الاساس، لكي يثير عجب الناس، وان يزرع فيهم الشعور بالهناء.
وحين يقع ما يستأهل المشاهدة على مستوى القاع، ويشرأب كل فرد في الجمع لكي يطل على المشهد، فان الجالسين في المؤخرة يلتمسون شتى السبل كيما يسددوا انظارهم من فوق الجالسين في الصفوف الامامية: فالبعض منهم يقف فوق المصاطب، والبعض يعتلي البراميل، والبعض يجلب عربات ويضع عليها دكة من الخشب بالعرض لتقوم مقام صقالة للفرجة، والبعض يرتقي التلال المحيطة بالمدرج. وتجدهم يؤلفون، على هذا النحو، نوعا من حفرة بشرية في لمح البصر. أما اذا تكرر عرض المشهد في البقعة عينها، فانهم يقيمون سرادقات مؤقتة لمن يستطيع دفع الثمن نقداً، أما الباقون فيتدبرون أمر الفرجة على خير ما يستطيعون. ان مهمة المهندس المعماري تكمن في ان يلبي هذه الحاجة. ويبتدع بفنه المعماري حفرة متدرجة، سلسة قدر الامكان، أما الجمهور فيؤلف زينة المكان. وحين يتحشد اولاء في تراصف شديد، يذهلون من انفسهم. فهم معتادون في غير هذه الاوقات على ان يروا بعضهم البعض غادين ورائحين هنا وهناك في ارتباك، ماضين في سبيلهم دون انتظام أو اتفاق. أما في المدرج فان هذا الوحش الهائل، المتعثر، المتقلب، برؤوسه الغفيرة، وعقوله الكثيرة، يرى نفسه، بغتة، موحداً في جماعة نبيلة، ملتحماً في كتلة، فهو جسد واحد يضج بروح حية واحدة. ويشعر الجميع ببساطة هذا الشكل الاهليلجي باعتباره الطف الاشكال واكثرها راحة لعين الناظر، وان كل رأس من الحشد يقوم مقام مقياس لضخامة نطاق المجموع. أما حين يخلو مبنى المدرج، من البشر فلن تجد معياراً لقياس ضخامته أو صغره.
وياله من مدرج يحتفظ بمعالمه! حين دخلته، ثم حين جبت في ارجائه وصولاً الى حافته العليا، غمرني شعور خاص بانني انظر في فراغ، رغم عظمة المدرج.
فما ينبغي لهذا المدرج ان يرى فارغاً، بل ان يكون ضاجاً بالبشر، كما كان حاله في الآونة الاخيرة في مناسبة تكريم جوزيف الاول والبابا بايوس السادس. ويقال ان الامبراطور الذي اعتاد استقبال الحشود، ذهل للأمر. ولكن ما كان للمدرج ان يترك الاثر العميق التام إلا في العصور الغابرة، يوم كان الشعب شعباً بحق، اكثر مما هو عليه الحال في يومنا هذا. فمثل هذا المدرج قد صمم، في الاساس، لكي يثير عجب الناس، وان يزرع فيهم الشعور بالهناء.
وحين يقع ما يستأهل المشاهدة على مستوى القاع، ويشرأب كل فرد في الجمع لكي يطل على المشهد، فان الجالسين في المؤخرة يلتمسون شتى السبل كيما يسددوا انظارهم من فوق الجالسين في الصفوف الامامية: فالبعض منهم يقف فوق المصاطب، والبعض يعتلي البراميل، والبعض يجلب عربات ويضع عليها دكة من الخشب بالعرض لتقوم مقام صقالة للفرجة، والبعض يرتقي التلال المحيطة بالمدرج. وتجدهم يؤلفون، على هذا النحو، نوعا من حفرة بشرية في لمح البصر. أما اذا تكرر عرض المشهد في البقعة عينها، فانهم يقيمون سرادقات مؤقتة لمن يستطيع دفع الثمن نقداً، أما الباقون فيتدبرون أمر الفرجة على خير ما يستطيعون. ان مهمة المهندس المعماري تكمن في ان يلبي هذه الحاجة. ويبتدع بفنه المعماري حفرة متدرجة، سلسة قدر الامكان، أما الجمهور فيؤلف زينة المكان. وحين يتحشد اولاء في تراصف شديد، يذهلون من انفسهم. فهم معتادون في غير هذه الاوقات على ان يروا بعضهم البعض غادين ورائحين هنا وهناك في ارتباك، ماضين في سبيلهم دون انتظام أو اتفاق. أما في المدرج فان هذا الوحش الهائل، المتعثر، المتقلب، برؤوسه الغفيرة، وعقوله الكثيرة، يرى نفسه، بغتة، موحداً في جماعة نبيلة، ملتحماً في كتلة، فهو جسد واحد يضج بروح حية واحدة. ويشعر الجميع ببساطة هذا الشكل الاهليلجي باعتباره الطف الاشكال واكثرها راحة لعين الناظر، وان كل رأس من الحشد يقوم مقام مقياس لضخامة نطاق المجموع. أما حين يخلو مبنى المدرج، من البشر فلن تجد معياراً لقياس ضخامته أو صغره.
ولا ريب ان الثناء واجب على اهالي فيرونا للطريقة التي حافظوا بها على هذا الصرح. ان المرمر البني الضارب للحمرة الذي شيد منه المدرج يتأثر بتقلبات الطقس، فتراهم يواضبون على ترميم الدرجات التي اصابها التآكل، وان سائر الدرجات تقريباً تبدو زاهية، جديدة. وهناك عبارة منقوشة على المرمر تمجد ذكرى شخص معين يدعى هيرونيموس مورينيوس على ما كرسه من جهده للحفاظ على هذا الصرح. ثمة جزء صغير من السور الخارجي ترك منتصباً في مكانه، ولا اظن ان بناءه قد أكمل البتة. وهناك قباب لصق ساحة كبيرة تُدعى "ايل برا"، تؤجر لبعض الفنانين، وانه لمن دواعي سرور العين ان ترى هذه الكهوف ضاجة بالحياة من جديد.
No comments:
Post a Comment