Tuesday, June 13, 2017

بين #الكوفة و #ميافارقين حالات الزمان شتّى


هاتفني الأخ/خالد وقال أن الوالد يسألك عن المعنى الذي كان يسعى إليه أبو الطيب في البيت الذي يقول فيه:
وحالات الزمان عليك شتّى وحالك واحد في كلّ حال
فأجبته على الفور: إنّ أبا الطيب أنشد قصيدته هذه في #حلب عام 337 في رثاء أم سيف الدولة التي دفنت في "ميافارقين" أكبر مدن ديار بكر، وهي ذات المدينة التي شهدت ولادة #سيف_الدولة ودفنه. أما القصيدة فمطلعها:
نُعِدّ المَشرَفيّةَ والعَوالي وتَقْتُلُنا المَنُونُ بِلا قِتالِ
ونَرْتَبِطُ السّوابِقَ مُقرَباتٍ وما يُنْجينَ مِنْ خبَبِ اللّيالي
ومَنْ لم يَعشَقِ الدّنيا قَديماً ولكِنْ لا سَبيلَ إلى الوِصالِ
يريد أبو الطيب التأكيد لسيف الدولة أنّ أحوال الزمان عليه متفرقة ومختلفة، ولا يزعجه أو يقلق راحته منها شيء، ولا يغيره عن حاله من الصبر والثبات والحلم والوقار في جميع الأوقات.
ولقدّ كان لهذه المرثية، ومرثيته الأخرى في خولة (أخت سيف الدولة) شأن لدى #ابن_العميد عند وفاة أخته، وكان يترقّب أن يخصّه أبو الطيب بقصيدة مدح دون جدوى، فأضمر أن يخّص أبي الطيّب بكتاب يظهر فيه مثالبه وسرقاته، ولكنه أعرض عن ذلك عندما ماتت أخته وكُتبت اليه المكاتيب في عزائها، فكان أكثرها وقد نافت على الستين مصدّرة ببيتي #المتنبي في رثاء خولة:
طـوى الجزيرةَ حتى جاءني خبرٌ فزعــتُ فيه بآمـالي إلى الكــذبِ
حتى إذا لم يدعْ لي صدقهُ أملاً شرقتُ بالدمعِ حتى كاد يشرق بي.
وبعد أيام على اتصاله الأول نقل إليّ الأخ/خالد سؤال #الوالد عن معنى بيت أبي الطيب الذي يقول فيه:
تحدّث فيه كلّ لسن وأمّةٍ فما تفهم الحدّاث إلا التراجم
فقلت لخالد إنّ أبا الطيب أنشدها في عام 343 هجرية، وكانت مناسبتها مقترنة باستعادة سيف الدولة لقلعة الحدث، وتعد قصيدته هذه من عيون شعره وعدّها كثيرٌ من النقاد من خير ما قيل في أدب الحرب، فلقد شارك المتنبي فيها بنفسه، ولامس يد المنون ولكنها لم تنشب أظفارها فيه.
أمّا استردادها فكان مرهونا بعوامل عدة، لعلّ أهمها أن سيف الدولة شرع ببناء القلعة وهو يدرك أنه محاط بالروم فأينما مال كان يجد ثمة روم هنا وهناك، وعندما أتمّها باغتته جيوشهم للاستحواذ عليها، فنشبت الحرب. والبيت من القصيدة التي مطلعها:
عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ
وكان #الوالد -حفظه الله- يصغي للحديث، وما أن أتممت صدر البيت حتى قال الوالد:
وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ
وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ
فقلت للوالد: إنّ المتنبي قالها عندما كان في الأربعين، وكان في ذات عمر سيف الدولة، فقد ولدا في العام ذاته
فتعجّب الوالد من الأمر وعجائب المصادفات التي جعلت الرجلين اللذين تقاسما في ولادتهما طرفي الأرض، يجتمعان في حلب وينتهي الأمر بهما باكتمال الدائرة، فيعودان كل إلى أرضه الأولى..
فالمتنبي الذي ولد في الكوفة عام 303 هجريّة، انتهى به الأمر مقتولا في #دير_العاقول قريباً من كوفته عام 354 من الهجرة،
وكذلك سيف الدولة الذي ولد في ميافارقين في ذات السنة التي ولد بها أبو الطيّب انتهى أمره ميتاً بداء الفالج ودفن في ميافارقينه عام 356 من الهجرة.
#محمد_أحمد_السويدي
#الوالد
#المتنبي

No comments:

Post a Comment