النّوَارِسُ تَشقّ صَفْحة السّمَاء بِبياضها الثلْجي كالنُجُوم، هُنا
يُمكنك أنْ تقرأ رواية «النورس جوناثان يفنجستون» لــ «ريتشارد باخ»، على
مسرح في الهواء الطلق.
فالرجل تشارك مع «باخ» الموسيقي الباروكي طريقة في تدوين سيرته الداخلية،
فيمكن لــ «جوناثان» أن يكون أحدنا، والآن وفي هذه اللحظة التي أقطع فيها
طريق «راباللو» أشعر أنني «جوناثان» وهو يدوّن باطنه، ويمكن لكل شجرة أن
تكون نورساً، وكل سيّارة تقطع طرفي الطريق أن تكون رحلة «جُوناثان» ليرشد
أقرانه إلى الجهة الأخرى، من المعرفة والحكمة، والسمو الروحيّ.
يتحدث «باخ ريتشارد» عن نورسه «جُوناثان» وهو يكابد تلك المعادلة التي
عليه أن يختار أحد طرفيها، فهل يقضي يومه في التفكير بالطريقة التي يتحصّل
فيها على الطعام أم في حاجته الداخلية في التحليق والسموّ لمسافات بعيدة؟
ولقد انحاز إلى التحليق والسموّ، ثم يتعرّف على رفيق آخر اسمه «تشانج»، الذي يصطحبه إلى مناطق أخرى لم تكن تخطر له ببالٍ قط.
إنّه كتابٌ يتحدثُ عن السُموّ كطريقةٍ للحياة، من خلال الإرتقاء بمراتب
العقل والتفكّر في كل شيء وإخضاعة إلى التجربة والسؤال، فكلُ سَفَرٍ هُو
ضرب من الارتقاء بالعقل، وسموٍ في الروح ... يمضي «جُوناثان» حتى يتعرّف في
رحلته على نوارس تحصّلت على سموّ معرفي كبير.
ثم أخذ «جوناثان» يذهب إلى رفاقه ويهديهم إلى هذه المنطقة.
أبدأ يومي بوجبة الفطور، ويالها من بداية رائعة عندما يكون ذلك وأنت تنظر
إلى البحر، وإلى البيوت التي تتعامد على بعضها، وتبدو كما لو كانت تسيل
إليه، يمكنك أن تدرك أنها بداية هائلة.. في أغلب الأمكنة التي زُرتها
وعرفتها يكون الضوء إمّا حاداً بطريقة تُربكُ العين، أو داكناً .. أما في
«راباللو» فالضوءُ يكون معتدلا، وكأنّه يصافح العين -قبل أن يتوغّل فيها-،
فتمتلئ بصور رائعة وتجد الروح طريقها إلى السمو.
No comments:
Post a Comment