Tuesday, May 3, 2016

جنيفرا التي رأيت

 
وجهها شاحبٌ، ومستدير ومكتئب، إنّه يشّع باتجاه شجيرات العرعر القاتمة، مثل قمر يبزغ من بين الغمائم، وحقاً يلمع الضوء الذي يقع على الخلفية الأبعد، فوق المياة، ويمسُّ الأشجار الرقيقة التي تبدو مثل الأطياف، والذي قد يكون هو ضوء القمر أيضاً إذ أنّه من المفترض أنَّ الوقت الذي تظهر فيه اللوحة هو (الغسق).
يظهر على جفني السيدة الجالسة التثاقل، وعلى نظرتها التجريد، ومهما كان ما تنظر إليه هاتان العينان الجميلتان، فلا يبدو أنّ بمقدورهما الرؤية.
إنّها تنظر إلى بعيد لا يمكن معرفة مدى بعده.
إنّها- كما يجوز القول- على بعد أميال.
شعرها، أشقر أو كستنائي اللون، وحيث تم تصفيفه بعناية باتجاه الرأس، يبدو ناعماً ولامعاً- وفي هذا إشارة لاستخدامها زيتاً معطراً لتثبيت الشعر- ولكنّه يشكل سلسلة من الحلقات والدوائر الصغيرة في محيط وجهها.
وفي وسط هذا السكون السحري للوحة تمنحنا تلك التجعيدات الدائرية الملتفة والمبرومة إحساساً مباغتاً بالتحرر من القيود والإلقاء بها بعيداً.
إنها دفعة من الحيوية في غمرة طابع اللوحة الجامد إلى حدٍ يكاد يصل إلى الكبت.
في يناير 1474 ، وفي عمر السادسة عشر، تزوجت "جنيفرا" من تاجر أقمشة يدعى "لويجي دي بيرناردو نيكوليني".
وقد كان هنالك اعتقاد بأنَّ لوحة "ليوناردو" كانت بمناسبة الزفاف، وقد جاء تكليفه بها من قبل زوجها، ولكن "جنيفرا" ارتبطت وبشكل لا يخفى على أحد بالدبلوماسي الفينيسي اللامع "بيرناردو بيمبو"، وتشير أحد الأدلة الحديثة إلى أنّه كان هو من كلّف "ليوناردو" برسمها.
وقد وصل "بيمبو" إلى فلورنسا كسفير من مدينة البندقية، وفي يناير 1475م، كان في بدايات أربعينيات عمره، وله زوجة وولد في الثانية من العمر، وعشيقة وابن منها في مكان آخر من حياته، ولكنه سريعاً ما ألقى بنفسه في علاقة أفلاطونية علنية مع "جنيفرا".
ولقد ماتت، أرملة بلا أطفال حوالي عام 1520.
إنّها أول لوحة لليوناردو يشعر فيها المرء بالنظر إلى ما وراء اللوحة، كما ينظر من خلف نافذةٍ ما إلى أحد الأماكن الساحرة.
إنّها تخبرنا عن العالم حينما يُرى بنوع من النشوة.
فللنعومة المرمرية لوجه جنيفرا دور في هذه السمة الحالمة: إنّها ليست من البشر-تماماً.
كان هذا هو التأثير المنشود- فقد تم صقل سطح طلاء الوجه بيد "ليوناردو" نفسه.
 

No comments:

Post a Comment