Friday, March 11, 2016

مكتبة جامعة كيمبردج


مكتبة جامعة كيمبردج


دُعيت ذات يوم أثناء وجودي في معتكفي اللندنيّ إلى مكتبة جامعة كيمبردج
وتحديداً إلى قسم المخطوطات الشرقية، وقيل لي إن هناك بروفيسوراً يتقن ستّ لغات منها العربية وسيسعده أن يتمكّن من اللقاء بي.
وعندما دخلت حرم المكتبة رأيت جليّاً تلك الفخامة التي صقلتها سبعة قرون وملايين الأصابع والعقول وفراسات العلماء.
وكان فيها رجال أمن ينتشرون في زواياها وأجهزة تفتيش.
استقبلني شاب لا يتجاوز الأربعين من عمره ألماني الجنسية، وقدّم نفسه مسبوقاً بصفته العلمية: البروفيسور.
وعندما عرّفته بنفسي، توقّف برهة قبل أن يسألني: هل أنت صاحب الورّاق؟
فقلت له بنوع من الحرج لأنّ السؤال كان مباشراً ودون مناورة: نعم، أنا صاحب الورّاق.
فقال إنه من أشد المعجبين بالموقع، وإن أكثر ما يشدّه فيه هي كتب المطبخ الإسلامي، وفي كل أربعاء يُعدّ لزوجته طبقاً يختار طريقة إعداده منها، وكان آخرها طبق السكباج.
وهنا ضاعفت معرفته بالسكباج حرجي، فلم أكن قد سمعت باسمه من قبل
ثم حاولت أن أستنجد بأحد ليرشدني إلى هذا الطبق العجيب وصفته، ولكنني لم أعثر على مرادي.
ولاحقا علمت أن السكباج طبق يُعد باللحوم المنقوعة بالخل والتوابل وتكون الفواكه المجفّفة قوامه. وقرأت بعض الحكايات التي تناولته وقالوا في شأنه أنه طبق ملوكيّ كسرويّ انتقل إلى خلفاء بني العباس بسبب التداخل الجغرافي وتواصل النسيج السكاني بين الحضارتين، فلقد كانت طيسفون على دجلة عاصمة للأكاسرة طيلة قرون، ولا بدَّ أن تسلّل السكباج منها إلى ما يجاورها من بلاد وهي كثيرة وعامرة منذ ذلك الوقت.
وتسرد مرويّاتنا التاريخية حكاية طريفة عن المتوكّل وكان خرج في جماعة من صحبه قاصداً الفرات، وبينما هو منشغل في أمر وإذا برائحة السكباج تعرف طريقها إلى أنفه، فأمر أن تكون الإقامة حيث يمكنه أن يتشمّم الرائحة.
فرأوا في عرض الفرات مركباً يعكف بحّارته على إعداد السكباج. وبعد هنيهة فوجيء بحّارة المركب بجند الخليفة وهم يحملون قدور السكباج إليه.
فأكل منه حتى فرغ، وأعاد القدور ملأى بالدنانير إلى البحّارة.
وكان في مجالسه يستعيد على ضيوفه وحاشيته تلك الحادثة كلّما وجد سبيلاً إلى ذلك.
أمّا المعتضد العباسي فكان يدسّ السُّم فيه لخصومه.
وللعجّاج أرجوزة مشهورة في توابله، بل ومن فرط شغفهم في السكباج وضعوا فيه التصانيف التي ذكرها أصحاب الموسوعات ومنها كتاب لجحظة البرمكيّ أطلق عليه: فضائل السكباج.

No comments:

Post a Comment