Monday, December 3, 2018

فيلم الحالمون The Dreamers






فيلم الحالمون The Dreamers
للمخرج الراحل برتولوتشي
#محمد_أحمد_السويدي_مقالات
شاهدت مرة أخرى فيلم الحالمون لمخرجه الإيطالي الذي رحل مؤخرا (برناردو برتولوتشي)
وعندما أقول مرة أخرى، فهي كناية عن مضاعفة الإعجاب الذي شعرت به وبما خلصت إليه من نتائج منحتني سعادة غامرة عند زمن المشاهدة وبعده
وفي الحقيقة القليل فحسب من الأفلام من تمتلك القدرة على أن تتمرحل معك، أو تمكث تأثيراتها بالقوة ذاتها بعد الانتهاء من مشاهدتها.
وما خلصت إليه هو أن المخرج عمل على استعادة التجربة الباريسية، ليس من خلال بعد فردي كما فعل في التانجو الأخير في باريس، ولكن بمجموعة حالمين باريسيين من الطلبة الذين عاشوا أحداث الحركة الطلابية في فرنسا، أو ما يُعرف بثورة مايو عام 1968، والتي ما زالت تداعياتها مخبوءة ومتوهجة خلف أكوام من رماد الإصلاحات الهشة، كما أشار ساركوزي إلى ذلك أبان دورته الرئاسية بتأكيده: 
إن من أهدافه القضاء على ميراث حركة ماي 1968. بسبب أن تلك الحركة شكلت تهديدا للسلطة وغيّرت المعايير السلوكية لدى المواطنين ودفعتهم إلى الاستخفاف بقيمة العمل الذي يستهدف إلى تسليع قيم العالم وتفاقم اليمين وتغوّل الرأسمالية والقيم المجتمعية في صورتها الموروثة عن القرن التاسع عشر.
كانت الحركة في واحدة من تجلياتها تدعوا إلى التخلص من الإرث الأبوي الذي مثّلته النزعة الديغولية خصوصا وإن ديغول ذاته كان قد بلغ الثمانين، وخرج قبل ذلك بسنوات قليلة (1962) مثخنا من الجزائر بعد ارتكاب مجازر بشعة رافق ذلك عودة مليوني فرنسي كانوا يقيمون فيها.
إنها ثورة قامت من أجل منع الممنوع كما كتبوا في شعاراتهم، والقبض على الحرية دون انتظار من يمنحها، وكان الشاعر آرثور رامبو الذي سبقهم قبل قرن إلى ذات الفعل في باريس واشتراكه فعليا فيما يُعرف بكومونة باريس، استيقظ فيهم فرفعوا ما كتبه شعارا لهم (ينبغي تغيير الحياة، هذه الحياة الرتيبة، التقليدية لم تعد تناسبنا، نريد شيئا آخر غيرها.).

بدأت الحركة من الطلاب، وليس كنتيجة حتمية لصراع البروليتاريا مع الرأسمالية كما جرت العادة، وهو الأمر الذي منح الحركة بعدا ثوريا حالما
وكان هذا تحديدا رهان برتولوتشي ، فلقد حاول تفكيك المعادلة الصعبة التي تمثّلها الحرية ونقيضها في التقاليد المجتمعية متمثلة برهاب الهيبة (الهيبة الأبوية داخل العائلة، وأرباب العمل، والاساتذة، ورجال الدين....)
ثم تقويض نظام الجندية في رفض الانخراط بالوحدات العسكرية،

كان فولتير في تلك الآونة حرا يجسّ شوارع باريس بعصاه، وكل معتقل كان يُنظر إليه كفولتير خلف جدار ديغولي أبويّ، 
أما ديغول نفسه، فلقد هرب أياما عدة خارج البلاد، وأخذ يدير الأحداث من خارج فرنسا
وعندما تم اعتقال سارتر قال: (من يستطيع أن يعتقل فولتير؟ اتركوه حرا)...
إنها دراما مركّبة نجح المخرج على نحو كبير بإدارة عناصرها، فطرح بعضا من نتائج تلك الحركة الجامحة، في نمط الحياة البوهيمي والمتحلل والحُلُمي، يتصاعد ليبلغ ذروته بحوار جميل وعميق أعقبه دفع الأخوين حياتهم ثمنا في سبيل الحرية من غير أن يظهر برتشولي موتهم.
وفي الجهة الأخرى من الحالة المركب، يظهر المخرج تردد زميلهم الأمريكي في بلوغ ذات النهاية، وكأنه أراد يتابع نزهته على حافة الهاوية، وأن يستمر حلم كومونة مايو حيا فيه..
شعرت في تلك اللحظة وخلال المشهد الأخير من الفيلم أن المتعة التي نحياها في مشاهدة الأفلام التي نجت من أصابع الرقيب حول العالم، كان بفضل أولئك الشباب الذين دفعوا حياتهم ثمنا لذلك ليغرسوا أجنحة فولتير وسارتر ورامبو على أكتافهم ويحلّقوا إلى جغرافيات أخرى.

No comments:

Post a Comment