Saturday, December 2, 2017

السيدة وَفَرو القاقم





«السيدة وَفَرو القاقم»
|| #محمد_أحمد_السويدي || #مقالات
كانت أولى تكليفات ليوناردو المعروفة من لودوفيكو (أمير ميلانو) نفسه لم تكن في مجال الهندسة ولا المعمار، بل كانت رسم عشيقتة الشابة الفاتنة، سيسيليا غاليراني. لم يكن لودوفيكو سفورزاً نموذجاً للرجل المحروم مثل أخيه الدوق، ولكنه استمتع بالملذات الجنسية التي يمكّنه منها نفوذه.
لقد كان يميل إلى اعتبار أهدافه من الإناث كما يعتبر إناث وذكور الوعول في أراضي صيده الخاصة- مباحة له- ومهما كان شعورها حيال المسألة، فأي شابة تقع عليها عيناه تعرف أنّ هذا الصنيع مدخلها إلى عالم من الرغد والامتيازات لها ولعائلتها. ولدت سيسيليا في أوائل عام 1473، وكان والدها فازو موظفاً حكومياً عمل كسفير لكلٍ من فلورنسا ولوكا، وأمها مارغيرتا بوستي، كانت ابنة لدكتور مجاز في القانون. وقد كانت سيسيليا ابنة أسرة ميسورة الحال ولكنها ليست على درجة كبيرة من الثراء، وقد توفي والدها بينما هي لم تزل في السابعة من العمر، ولديها ستة أخوة يسبقونها، لقد كانت فقط طفلة مرفهة نسبياً.
كانت في الرابعة عشر من العمر ذكية، ومثقفة، كما أصبحت لاحقاً راعية لعدد من الكُتَّاب من بينهم الروائي ماتيو بانديللو. ويستشف من القصائد والرسائل التي كتبت عنها، أنّها كانت على قدر رائع من الجمال، ولكن لم يعد لكل تلك الإهداءات ضرورة، فقد أغنى عنها وجودها في لوحة رسمها لها ليوناردو- ونستعير هنا تعبير ليوناردو نفسه من ذلك العصر، وهي المعروفة أيضاً بلقب السيدة وَفَرو القاقم.
ونحن ندين للشاعر بيللينشيوني بأولى الإشارات إلى لوحة ليوناردو، في رسالة شعرية، بلهجته البطولية، للطبيعة:
يا أيتها الطبيعة كم غيورة أنتِ
من فينشي الذي رسم واحدة من نجومك،
الغانية سيسليا، التي يستحيل نور الشمس
أمام عينيها العذبتين ظلاً كالح السواد
وهب أنّك: بقدر جمالها وما في قلبها من حياة
ستنال من المجد على مر العصور
ومن أجل ذلك قدِّم آيات شكرك للودوفيكو
ولعبقرية وأنامل ليوناردو..
إذ أراد كليهما أن تراها الأجيال القادمة.
وصورة سيسيليا ذات طابع إيروسي.
اليد التي تداعب الحيوان المكسو بالفراء ذات إيماءة جنسية، وزينة ردائها- عصابة الرأس الذهبية، والرباط الأسود، والوشاح المعقود، والعقد- كلها تشير إلى القيود، حالة الأسر التي تعيشها المحظية.
وقد استحضرت فقرة في الأطروحة حول الألوان، حيث كان ليوناردو يبرهن على أنّ الرسام يمتلك ذات القوة التي للشاعر "لإشعال جذوة الحبِّ في الرجال"- لقد كان يجعلهم "يقعون في الحب مع لوحة ما".

No comments:

Post a Comment