يمكنني أن ألمح البهجة تفيض على ملامح (والدي) وهو يواصل جولاته في
الحدائق الفردوسية في "الريجنت"، وكأنه يسعى إلى تقطير كل الحيوات التي
غرست أقدامها وأرواحها في المكان منذ عدّة أجيال.
النظر يكون مُركّباً وعميقاً ويصل دائماً إلى الجهة الأخرى، فالشجرة هنا
لم تعد شجرةً فحسب، إنها كائنٌ تخلّى عن ساقه الأخرى لكي يواصل أبديّته من
أجلنا، من دون أن يمتلك القدرة على التنقل.
تكون الجولة أكثر بهاءً، كلما نفضت الشمس البرد عن سجادة "لندن" بخيوطها الذهبية.
نحن اليوم في المرزم ومدته 13 يوماً، ويحتوي على منزلة واحدة تسمى
الذراع، وهي المنزلة الخامسة من منازل الصيف، ويطلق عليها أهل الحرث اسم:
طباخ اللون؛ لاعتقادهم أن السموم والرياح اللاهبة التي تميّزه هي من أجل
طبخ التمر وإكسابه اللون. وفيها يكثر الرطب، والرمان، والليمون، ومعظم
الفواكه الصيفية .
وفي آخرها تبدأ طيور الخواضير بالهجرة .
وربما ستحفل المائدة بعد أيام بالتمر الذي طبخه المرزم وأكسبه لونه، وقد نقصد هذه الفراديس ومعنا بعض من رمان الذراع وتينه وليمونه. وربما سيمرق طير، وسنتذكر معاً هجرة الخواضير .
لا يعكّر صفو أبي - وهو يعكف بابتسامة صافية على تقشير الجمال وصولا إلى لبّه- سوى بعض الكلاب التي تنهج سلوكاً شائناً وكأنها تحاول تفريغ اللحظة من عذوبتها، فبعضها يقضي حاجته، والآخر يختار جذع شجرة ويفرج ساقيه ليتبوّل، أو يبدأ النباح دون أن يبدو أنه سيتوقف قريباً، وربما يُظهر بعض العدائية.
ولكن في المقابل هناك ما يجعل مثل هذه المشاهد تنحسر ولا يمكث منها شيئاً، وتبدأ التقطيبة التي ترتسم على جبهة الوالد تختفي عندما يشاهد كلبا من نوع "التشي واوا" الصغير وهو يشتبك مع كلب بأضعاف حجمه من نوع "الدوبرمان" أو "الجريت دان" أو الكلب الأفغاني الضخم الذي جاء به الجنود البريطايون من موطنه الأصلي، أو تنحرف ببصرك قليلا لتجد كلباً قوقازيا هائلاً يجرّ رجلاً نحيلاً يكاد لفرط هزاله يجعلك تستعيد مقولة أبي الطيب المتنبي:
كَفى بِجِسمي نُحولاً أَنَّني رَجُلٌ ** لَولا مُخاطَبَتي إِيّاكَ لَم تَرَني
وقد ترى كلباً يتطلّع إلى صاحبه بكسل، وهو يصفر، وربما يصرخ، وكأن في أذن الكلب وقراً.
وأحياناً وعلى حين غرّة يظهر كلب من ناحية ما وكأنه "سربروس"، يجعل الكلاب الأخرى تبدو أمامه وكأنها فقدت ذاكرتها، ولو كان بوسعها أن تموء لماءت كالقطط حتى يحوّل بصره عنها ويتركها بسلام.
وفي مرات أخرى تظهر بعض النساء، فيستعيد الوالد حكاية شيخ شاب اسمه (المحروسي)، كان يميل إلى القصر والهزال، فإذا تهادت امرأة بضّة بقوام ممتلئ، يقول الوالد وهو يغالب ضحكه: كيف للمحروسي بجسده الذي يوشك أن يتداعى أن يروّض مثل هذا الفرس الجموح الذي يضرب الأرض بقوة وكأنه يعيد تذكيرها بوجوده.
كان المحروسي يرمق النساء من زاوية عينه، فإذا صادف أن التقى بصره ببصر إحداهن، فسيكون عليه أن يبحث على وجه السرعة عن مكان آخر يسلم على نفسه وبصره فيه.
كان عندما يهمّ بالسفر إلى لندن يشعر بفرائصه ترتعد وكأنها توشك على مغادرته، كان يحتاج إلى شفرة وراثية ليتمكن من معرفة الجمال وتفكيكه وإدراكه.
ولكن ما الذي سيفعله المحروسي لو فكّر أحد الكلاب "السربروسية" الهائلة أن يتخلى عن صاحبه ويهرول صوبه..؟
وفي آخرها تبدأ طيور الخواضير بالهجرة .
وربما ستحفل المائدة بعد أيام بالتمر الذي طبخه المرزم وأكسبه لونه، وقد نقصد هذه الفراديس ومعنا بعض من رمان الذراع وتينه وليمونه. وربما سيمرق طير، وسنتذكر معاً هجرة الخواضير .
لا يعكّر صفو أبي - وهو يعكف بابتسامة صافية على تقشير الجمال وصولا إلى لبّه- سوى بعض الكلاب التي تنهج سلوكاً شائناً وكأنها تحاول تفريغ اللحظة من عذوبتها، فبعضها يقضي حاجته، والآخر يختار جذع شجرة ويفرج ساقيه ليتبوّل، أو يبدأ النباح دون أن يبدو أنه سيتوقف قريباً، وربما يُظهر بعض العدائية.
ولكن في المقابل هناك ما يجعل مثل هذه المشاهد تنحسر ولا يمكث منها شيئاً، وتبدأ التقطيبة التي ترتسم على جبهة الوالد تختفي عندما يشاهد كلبا من نوع "التشي واوا" الصغير وهو يشتبك مع كلب بأضعاف حجمه من نوع "الدوبرمان" أو "الجريت دان" أو الكلب الأفغاني الضخم الذي جاء به الجنود البريطايون من موطنه الأصلي، أو تنحرف ببصرك قليلا لتجد كلباً قوقازيا هائلاً يجرّ رجلاً نحيلاً يكاد لفرط هزاله يجعلك تستعيد مقولة أبي الطيب المتنبي:
كَفى بِجِسمي نُحولاً أَنَّني رَجُلٌ ** لَولا مُخاطَبَتي إِيّاكَ لَم تَرَني
وقد ترى كلباً يتطلّع إلى صاحبه بكسل، وهو يصفر، وربما يصرخ، وكأن في أذن الكلب وقراً.
وأحياناً وعلى حين غرّة يظهر كلب من ناحية ما وكأنه "سربروس"، يجعل الكلاب الأخرى تبدو أمامه وكأنها فقدت ذاكرتها، ولو كان بوسعها أن تموء لماءت كالقطط حتى يحوّل بصره عنها ويتركها بسلام.
وفي مرات أخرى تظهر بعض النساء، فيستعيد الوالد حكاية شيخ شاب اسمه (المحروسي)، كان يميل إلى القصر والهزال، فإذا تهادت امرأة بضّة بقوام ممتلئ، يقول الوالد وهو يغالب ضحكه: كيف للمحروسي بجسده الذي يوشك أن يتداعى أن يروّض مثل هذا الفرس الجموح الذي يضرب الأرض بقوة وكأنه يعيد تذكيرها بوجوده.
كان المحروسي يرمق النساء من زاوية عينه، فإذا صادف أن التقى بصره ببصر إحداهن، فسيكون عليه أن يبحث على وجه السرعة عن مكان آخر يسلم على نفسه وبصره فيه.
كان عندما يهمّ بالسفر إلى لندن يشعر بفرائصه ترتعد وكأنها توشك على مغادرته، كان يحتاج إلى شفرة وراثية ليتمكن من معرفة الجمال وتفكيكه وإدراكه.
ولكن ما الذي سيفعله المحروسي لو فكّر أحد الكلاب "السربروسية" الهائلة أن يتخلى عن صاحبه ويهرول صوبه..؟
No comments:
Post a Comment