Thursday, January 21, 2016

مبنى الآلهة (البانثيون)

مبنى الآلهة (البانثيون)




إن كان ثمّة مكان يحتلّ الصدارة في قائمة الأماكن التي ينبغي عليّ زيارتها في إيطاليا فهو مبنى الآلهة (البانثيون) واسطة عقد روما وأحسن بناء احتفظ بشكله من أبنية العالم القديم، والذي لا تحتاج على حدّ قول ستندهال سوى لحظتين لتصبح مسكونا بجماله: قف أمام رواقه ثمّ سر بضع خطوات وادلف الفراغ الذي يوحي للسائر فيه بإحساس من الحريّة ثمّ ينتهي كلّ شيء. هنا يُختزل ألفا عام من الزمان بكل التفاصيل ويزدحم أعلام ارتبط عبورهم بالمكان أو حديثهم عنه بكثافة؛ هدريان، أنطونيوس، ماركيوس، لوكوس، دافنشي، مايكل أنجلو، رافائيل، جوته، قائمة ليس لها حصر وليست لها نهاية.

الكلمات المنقوشة على مدخل صرح (الآلهة) البانثيون "شيّده ماركوس أجريبا بن لوكيوس"، والتي تعزو هذا البناء لأجريبا مظلّلة، فمعبد أجريبا الذي شيّد في 27 قبل الميلاد، أتى عليه حريق روما عام 80م، ثم شيّد الإمبراطور دوميتيان معبدا لعّله لم يرضِ جوبيتر، إذ أرسل عليه صاعقة من السماء أحرقته عام 110م، ثمّ جاء البنّاء العظيم الإمبراطور هدريان عام 126م، ووضع بنفسه تصميم المكان وأمر بنقل الأعمدة الجرانيتية الكورنثيّة التي تزيّن مدخله والتي يبلغ وزن الواحدة منها ستّين طنّا من جبل كلوديانوس في شرق مصر عبر النيل إلى الإسكندريّة ثم عبر البحر الأبيض المتوسط إلى ميناء أوستيا في إيطاليا وبعد ذلك تم نقلها عبر نهر التبر. ولقد وصف تحفته هذه بقوله: كانت رغبتي أن يحاكي صرح الآلهة هذا عالمنا الأرضيّ والفضاء الكونيّ، فالقبّة السماويّة تكشف السماء من خلال بؤبؤ ضخم يبيّن اختلاف الليل والنهار. إن هذا الصرح المفتوح والمغلق بطريقة غامضة في آن بمثابة ساعة شمسيّة، ودائرة السقف التي صقلتها أيدي الحرفيين اليونان المهرة تشكّل ساعاتها، هناك يستقرّ قرص الشمس معلّقا مثل درع من الذهب. وما إن حلّ عام 609م حتّى وهب الإمبراطور فوكاس الصرح ودرعه إلى البابا بونيفيس الرابع الذي كرّسه للقدّيسة مريم وكلّ الشهداء، وفي 663م انتزع الإمبراطور البيزنطي كونستانس الثاني بلاط السقف الذهبي وصفائح الذهب التي تزّين الأبواب، وفي القرن الرابع عشر صار سوقا للدّواجن، وفي 1632م أذاب ايربن الثامن بقايا أروقة المعبد البرونزيّة لصنع المظلّة المرفوعة فوق المذبح العالي في كنيسة القدّيس بطرس. واعتقدت العامّة في القرون الوسطى أن المبنى كان مسكونا بأرواح شرّيرة وأن مريم البتول هي التي طردت الشيطان، الذي ضاق ذرعا بالحبس حتّى فرّ من فتحة السقف. وقال مايكل أنجلو الناقد الحذر في فن المعمار في عام 1500م عندما شاهده لأول مرّة: هذا من صنع الملائكة، وقام بايرون بتدبيج قصيدة رائعة فيه، وكتب هنري جيمس لأخته بعد أن شاهده أول مرّة، بأنه مبعث أسى كلّ من ليس وثنيّا. واختاره رافائيل مكانا لمثواه الأخير وتبعه سائر ملوك إيطاليا، ولمّا رآه جوته فتن وقال: ترى كيف يتسنّى لنا، نحن الصغار، المعتادين على الصغار، أن نضارع مثل هذا الكمال السامي؟

ترى هل دار في خلد هذا البنّاء العظيم كم من القرون وكم من العظماء سيأتي على صرحه هذا، وهل كان يدري عندما سئل: لم لا يخلّد اسمه على أي من أعماله العديدة؟ فأجاب: سيكون ذلك مبعث سعادتي، ولكنّني أكثر سعادة في نسبتها إلى المؤسسين الأوائل الذين لهم الفضل في ترسيخ دعائم الإمبراطوريّة. هل كان هدريان يعلم أن هذا القول ستذكره القرون؟ كان هدريان أحد أعظم الأباطرة الخيّرون كما أسماهم ميكافيللّي، عندما لاحظ أن الأباطرة الذين وصلوا للعرش عن طريق التبنّي هم أفضل شأنا من أولئك الذين وصلوا للعرش عن طريق الوراثة، كان أغسطس يرى أن الولايات توابع لإيطاليا تفيد منها مالاً وثراء، وكان يحكمها حكماً صالحاً لتدر الخير على إيطاليا. أما هدريان فلم يعد يرى رومة جابية الضرائب لإيطاليا؛ بل كانت الحاكم المسؤول عن دولة يستمتع كل جزء من أجزائها بقسط من عناية الحكومة مكافئ لما تستمتع به سائر الأجزاء، لقد رأى هدريان قبل موته الدولة كلها بعينيه وجمع شتاتها ووحّدها، وكان قد وعد أنه "سيدبّر شؤون هذه المجموعة من الأمم تدبير من يدرك أنها ملك الشعب لا ملكه الخاص"؛ وقد أنجز ما وعد.

http://www.electronicvillage.org/mohammedsuwaidi_article_indetail.php?articleid=58

No comments:

Post a Comment