Friday, August 11, 2017

النَّثْرة 11 آب (أغسطس) – 23 آب (أغسطس)



"النَّثْرة 11 آب (أغسطس) – 23 آب (أغسطس)"
|| #محمد_أحمد_السويدي || #منازل_القمر
ندعوكم للتعرف على منزلة النَّثْرة من مشروعنا منازل القمر والذي يعرض للتقويم الشمسي عند العرب، الذي اعتمد عليه أجدادنا حتى وقت قريب. وهو جزء من كتاب يصدر قريباً يحمل ذات العنوان "منازل القمر"
#محمد_أحمد_السويدي
"النَّثْرة" هي نوء" الكَليبيْن" ،وهي سادس أنواء الصيف، وثامن المنازل الشَّاميَّة، وتسمَّى "الكَليبيْن"، والعشر الأوائل منها تسمَّى "كنَّة سهيل"، أي غيابه، وطالعها في الحادي عشر من آب (أغسطس)، ومدَّتها ثلاثة عشر يومًا. 
نجوم "النَّثْرة" ثلاثة، اعتقد العرب قديمًا أنَّها مخطة ينثرها "الأسد" كأنَّها قطعة سحاب. فقالوا: "بسط الأسد ذراعَيْه ثم نثر"، فيما ذهب آخرون إلى أن تسميتها جاءت بسبب وجود نجمَيْن صغيرَيْن إلى جانب "النَّثْرة" هما عند العرب على مِنْخري "الأسد"، وتسميهما "الحمارَيْن". ويقال إنَّها فم "الأسد" ومِنخراه. وتسمَّى "اللهاة" أيضًا، وتشبَّه بالمعلف.
وتصوره الأقدمون يمسك بقدم الجاثي "هرقل" أثناء صراعه مع ثعبان البحر، في حين اعتقد الكلدانيون بهبوط الأرواح من هذا البرج لتحل في أجساد المواليد.
وفي العلم الحديث، فإن "النَّثْرة" (Beehive Cluster) تجمعٌ نجميٌّ عنقوديٌّ مفتوح في كوكبة "السَّرطان"، يبعد ما بين 520 - 610 سنة ضوئية عن شمسنا. وكان غاليليو أول من أماط اللثام عنه، وكشف خمار نجومه الأسود بعدساته البدائيَّة، ورأى أنَّها تنوف على أربعين نجمًا. وتقدَّر "مخطة الأسد" اليوم بألف نجم ولدت قبل 660 مليون سنة من السحابة نفسها، وهي عمَّا قريب ستفترق كحمامات يتعقبهنَّ الصيَّاد. ولمَح العلماء مؤخرًا كوكبين غازيَّين (مثل جوبيتر) يدوران خلف نجمَيْن من نجومها، أطلقوا عليهما "النحلتان"، أو "نحلتا خليَّة النحل". 
وفي الطبيعة والمناخ يستحب مع "النَّثْرة" تناول الأطعمة والأشربة الباردة والمخيض من الألبان، وفيها تُستغرس فسائل النخل حتى نهاية أيلول (سبتمبر)، ويزرع البطيخ، والشمَّام، والقِثَّاء، والقرع، والكثير من الخضار والبقول. وفي هذا النجم، تغور المياه السطحية، ويُرى سهيل في منتصف هذا الطالع قبل طلوع الشَّمس، وتهدأ العواصف، ويظهر من الطيور الهدهد، والدخل، والصفارة، والصقرقع. ويعتقد العرب أنَّ الزَّواج في النَّثْرة جيِّد. 
وفي "الإمارات" يزهر طيف من النباتات في "منزلة النَّثْرة" منها: "شوك الضَّب" ذو الزهر البنفسج، و"الحبن" (الدفلى) "نور يروقك مرآه ولا ثمر"، و"الأشخَر" الغزير اللبن، و"المرخ" الذي شُبِّه بحمرته المرِّيخ، و"الصفير" الذي يؤثر الذيد والشويب والعين والوقن، و"الخرز" ، والحنظل الذي كلَّما ازداد ريًّا ازداد مرارة، و"العشرج"، و"اللثب" الدائم الخضرة، و"العوسج" ملاذ الطيور ضامها الدهر، والطقيق، وغيرها. 
يقول ساجع العرب: "إذا طلعت النَّثْرة، قنأت البسرة، وجني النخل بكرة، وآوت المواشي حجرة، ولم تترك في ذات درٍّ قطرة، وأصابك من السحر حسرة، ويوشك أن تظهر الخضرة". وقوله "قنأت البُسْرة"، يريد اشتدَّت حمرتها حتى تكاد تسود. واستنفضوا ضروع مواشيهم.
وتقول البادية "إن الجمل لا يحنُّ للماء إلا في طلوع منزلة الكَليبيْن"، لذلك يطلقون على مجموعة أيامه اسم: "محنّنات الجمل". ويقولون: "إذا سقطت النَّثْرة، نظرت الأرض بإحدى عينيْها، وإذا سقطت الجبهة، نظرت بكلتا عينيْها". ومعنى "نظرت بإحدى عينيها" اجترأت الأرض على النبات فأطلعت. أما "نظرت بكلتا عينيْها"، أي سخنت ولانت، فازدادت جرأة على النبات.
واعتقد العرب أنَّ الزَّواج في هذا النوء حميد.
ولقد ورد ذكره في أشعار العرب، فقال ذو الرُّمَّة:
مُجَلجِلَ الرَعدِ عَرّاصًا إذا ارتَجَسَت نَوءُ الثُّريَّا بِهِ أَو نَثَرةُ الأَسَدِ
وفي هذا البيت، أنَّثَ فعل النوء، وهو ذكر، لأنه إضافة إلى "الثُّريَّا".
وقال ابن ماجد:
والمستقلُّ يا أخي سَعدُ بُلَع وفيه قولان وكلٌّ يُستَمَع
كَمِثلِ ما في ضدِّه قولانِ أعني لك النَّثرةَ بالعِيَانِ
والبعضُ قالَ هُوَ سَعدُ الذَّابحِ بيَّنتُهُ لكلِّ عقلٍ راجحِ
وقال عبد الرحمن العيدروس: 
بديع معان قد حبانا بيانه بديعًا حكى عقد الجواهر في النَّحر
فما النَّثرة العليا إذا جال ناثرًا بأبهج ما الشِّعرى إذا جال في الشِّعر
وقال أيضًا:
فاضل قولًا وفعلًا كم زها من لآلي لفظه جيد السُّطور
دونه النَّثرة في نثرٍ وفي شعره يسمو على الشِّعرى العبور
وقال القاضي التَّنوخي:
كأنّما الهَنْعة لمَّا طلعت مقلة صبٍّ لم تبن من البكا
مقبلة على الذِّراع تشتكي شكوى محبٍّ ضاق ذرعًا فاشتكى
كأنّما النَّثرة أثر نَمَشٍ أو كَلَفٍ على الخدود قد علا
كأنَّما الجبهة في آثاره سيل على آثار عقب قد سرى
وقال محمد بن نجيب الهاشمي:
ومنظوم عقيان من اللفظ لم يكن جمانًا، ولم تظفر به يد جالب
حوى شعره الشِّعرى لهابًا، ونثره سبى النَّثرة العليا وليس بغاصب
وقال التَّلَّعْفَري:
يا راحلين وفي أكلَّة عيسهم رشأ عليه حشا المحب مقلقله
قمر له في القلب أو في الطَّرف أو في النَّثرة الحصداء أشرف منزله
وفي دخول القمر في "النَّثْرة"، قال إخوان الصَّفا في رسائلهم: "اعمل فيه نيرنجات السُّموم والقطيعة والعداوة خاصة، واعملْ فيه الطلسم، وادعُ فيه بالدعوات، ولا تدبِّر فيه الصَّنعة، ولا تعالج فيه الرُّوحانية، ولا تلبس ثوبًا جديدًا، فإنَّ من لبس يُخشى عليه من الحرق بالنار. وسافرْ فيه، وادخلْ فيه على الملوك واسعَ في حوائجهم، واتصلْ بالأشراف والإخوان، وازرعْ واحصد، ولا تكتلْ غلَّتك فيه، ولا تتزوَّج، ولا تشترِ رقيقًا ولا دابة ولا تجارة. ومن ولد في هذا اليوم إن كان ذكرًا كان محارفًا محدودًا في معيشته، وإن كانت أنثى كانت سيِّئة السِّيرة، حظيَّة عند الرجال، محبَّبة في النَّاس". 
وإذا كان قدامى البادية يطلقون على النَّثرة "الكَليبين"، من "الكَلَب" أي العطش، فقد زعم الإغريق أنَّ "النَّثْرة" (وتسمَّى المزود، وخليَّة النَّحل)، ما هي إلَّا معلف لـ "الحماريْن" (النجميْن): "الحمار الشمالي" (بوريالِس) Borealis، و"الحمارة الجنوبيَّة" (أوسترالِس) Australis اللذين قادهما الإلهان "باخوس" Bacchus و"فالكان" Vulcanفي حرب آلهة الأولمب ضد "الجبابرة" (التايتانس)، فقد أثار صياح الآلهة ونهيق الحماريْن الرعب في قلوب العمالقة، ممَّا تسبَّب في هروبهم من أرض المعركة، ولمَّا انكشفت الحرب عن نصر الآلهة، كان ثواب "الحماريْن" أن تحوَّلا إلى نجميْن في السَّماء لا يعوزهما العلف. هرقل يصرع هيدرا
أمَّا أصل قصَّة "السَّرطان" Cancer الذي تسكنه "النَّثرة"، فتروي الأساطير الإغريقيَّة أنَّ مما أنيط بـ "هرقل" من المهام الاثنتي عشرة كانت قطع الرؤوس التسعة لـ "هيدرا" Hydra(أفعى الماء)، فلما التقاها وبارزها، هبَّ سرطان جبار ليعينها عليه في النزال، فكان كلَّما قطع رأسًا من رؤوسها التسعة، نبت لها رأسان عوضًا عنه، لكنَّه ظفر بها بمحلول سحريٍّ كلَّما وضعه على العنق المقطوع كوى الجرح قبل خروج رأس جديد. 
وأمَّا السَّرطان، فسحقه "هرقل" بضربة من كعب رجله، فما كان من "هيرا" إلا أن حوَّلته إلى كوكبة خالدة في السَّماء وفاء له.

No comments:

Post a Comment