"فرغ الدلو المقدم" من مشروعنا منازل القمر
ندعوكم للتعرف معنا على «منزلة فرغ الدلو المقدم» من مشروعنا الجديد #منازل_القمر للشاعر والمفكر الإماراتي #محمد_أحمد_السويدي ، ونعرض هنا تباعا ًالثماني وعشرون منزلة التي ينزلها القمر كل عام، قوامها ثلاثة عشر يوماً لكل منزلة، عدا جبهة الأسد أربعة عشر يوماً، ما يجعل السنة 365 يوماً تمثل التقويم الشمسي للعرب.
"فَرْغ الدَّلو المُقَدَّم"
هو ثاني "الحميمين"، وثالث منازل الربيع، والمنزلة 12 من المنازل اليمانيَّة، وطالعه في الثالث من نيسان (أبريل)، ومدَّته ثلاثة عشر يومًا.
ويصادف الأول منه بداية السنة البابلية. و"الدَّلو" أربعة كواكب واسعة مربعة كما ظنَّها العرب. فاثنان يشكِّلان "الفَرْغ الأول" (المقدَّم)، وهما نجم "المركب" ونجم "الساعد"، و"فرغ الدَّلو" في علم النجوم عند العرب هو مصبُّ الماء بين العَرْقُوَتَيْنِ. وقد يقال لـ "الفَرْغ الأوَّل" إنه "عَرْقُوَةُ الدَّلو العليا"، ولـ "الفَرْغ الآخر" إنه "عَرْقُوَة الدَّلو السُّفلى". وسُمي بـ "فرغ الدَّلو" لأنَّ الأمطار تهطل غزيرة في وقته، فكأنه فَرغ دلو، وهو مَهيل مائها. وقال بعضهم: "إنما سُمِّي بالعَرْقُوَة والفَرْغ تشبهًا بعَرَاقي الدَّلو" لأنهما على هيئة متقاطعة.
وفي العلوم الحديثة، وفي ما رصدته المراصد والتلسكوبات، تبيَّن أنَّ نجم "المركَب" (Markab)، نجم أبيض عملاق في كوكبة الفرس الأعظم، قدره الظاهري 2.5، وزمرته الطَّيفيَّة B9.5 lll، وقطره 4.7 قطر الشمس، ويبعد 133 سنة ضوئية عن الأرض. وأمَّا نجم "السَّاعد" (Scheat)، فعملاق أحمر يفوق قطره قطر الشمس بتسعين مرَّة، ويبلغ تألُّقه 1500 ضعف تألُّقِها، قدره الظاهري بين 2.3 و2.7، وزمرته الطَّيفيَّة M2ll lll، ويبعد 196 سنة ضوئيَّة عن الأرض.
ومن انعكاسات دخول "الفَرْغ المقدَّم" على الطبيعة والمناخ، البدء بزراعة الأرز، وحصاد القمح، وإذا نزل فيه البرد فإنه يُهلك الثمار، وفي طلوعه أيضًا، تُقلَّم شجيرات العنب لاستغراسها في عرائش جديدة، وينعقد اللوز والتُّفاح والتِّين، والخضار بأنواعها، كالرِّجلة والنَّعناع، ومن البقول الفاصولياء واللوبياء وأضرابهما. وفيه يتم تأبير النخل، وما يُغرس عند نزول القمر في هذه المنزلة لا يُترك مكشوفًا حتى لا تُهلك الشمس جمارته (طلع النخل).
كما تقصد الطيور المهاجرة في "الفَرْغ المقدَّم" الأجواء المعتدلة، وتعود طيور الدُّخَّل والقُمْري إلى موطنها الذي جاءت منه، وقد يعود الهُدْهُد بنبأ عظيم، ويسمع صوت الصَّقرقع (الورْوار) ليعلن حلوله عوض الطيور التي عادت أدراجها إلى مواطنها الأصلية، وهو من جنس الطيور التي تنتقل جماعات وتتعالى صرقعتها. وإذا ما وجدت نفسك في موضع كهذا، فليس لك إلا أن تردِّدَ قولَ الله في كتابه: ]والطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قدْ عَلِمَ صلاتَه وتَسْبِيحَهُ[ (النُّور، 41). وستكون صرقعة الورْوار نداء لجذب الإناث في موسم التزاوج.
وفي "الإمارات" يزهر طيف من النباتات في "الفَرْغ المقدَّم" منها: "شوك الضَّب" المقوِّي (الشاحذ) للباه، و"الصبَّار" الذي لا يكلُّ من العطش ولا يملُّ، و"الحبن"، و"الأشخَر"، و"الخناصر"، و"الكحل"، و"العلَّان" الذي يعشق السواحل، و"لحية الشَّايب" ذات الوقار، و"التربة" الملوِّحة برايتها البيضاء (زهرتها)، و"الكِسْكاس"، و"المشموم" المذهَّب الزهور، و"شوك اليمل" (الجمل) برائحة الكاكاو، و"حوا الغزال"، و"الحبابط (العظلم)، و"العضيدة"، و"العرفج" الذي تعشقه النار، و"عشبة أم سالم"، و"علقة بيضه"، و"الطرثوث"، و"عين الوزَّة"، و"السَّبَط" الذي يبعث في المطايا الهمم، وغيرها.
وفي "الفَرْغ المُقَدَّم" ترتفع درجة الحرارة، وتهب الرياح الشمالية الغربية الباردة، وهي رياح موسمية تُعرف في بعض الأقطار الخليجية بـ "البارح" وتحدث تغيُّرات في الطقس لأيام عدة، وهناك من جعلها أربعين يومًا تزيد أو تنقص في بعض السنوات فتسبب انخفاضًا في الحرارة، ومقدمات لـ "السرايات" ومراويح الصيف التي تنشأ عنها سحب وعواصف رعدية سريعة. ويعتقد العرب أنَّ الزَّواج في "الفَرْغ المقدَّم" جيِّد.
وقال ساجع العرب: "إذا طلع الدَّلو، هِيب الجزو، وأَنْسَلَ العفو، وطلبَ اللَّهْوَ الخِلْوُ". فجمع في السجع القول لـ "الفرغين" بذكره الدلو. وقوله "هيب الجزو"، يريد أنَّ الرطب جفَّ، وخيف أن لا ترتوي الإبل به من الماء. و"انسل العفو"، أي سقط نسله، أو صار أوان سقوطه، وهو الوبر الذي ينبت في كل حول. و"العفو" ولد الحمار. وقوله "طلب اللهو الخلو"، يريد طلب التزويج. و"اللهو" هي المَرأة، وهو النكاح. قال الله تعالى: [لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ] (الأنبياء، 17)، أي لو أردنا صاحبة لاتَّخذنا ذلك عندنا. وقال امرؤ القيس:
ألا زعمتْ بَسْباسَةُ اليومَ أنني كَبِرتُ وأن لا يُحسِنَ اللَّهْوَ أمثالي
يريد النكاح. ويقال أيضًا "السرُّ" وهو مثله. وإنما يطلب التزويج في هذا الوقت لأنه خرج من ضيق الشتاء وشدَّتِه وأمكنه التصرفُ وابتغاء الرزق، فطلب التزوج.
قال ابن ماجد:
لعمرُكَ إنَّ الفَرْغَ ضِدُّ مُربَّعٍ تَفَرَّقنَ طُولَ الدَّهرِ كلَّ التفرُّقِ
كَما فَارَقَ العُيُّوقُ شَوْلَة عقربٍ وصَارَا خُصُومًا تَتَّقِيهِ ويتَّقِي
وقال أيضًا:
وصارَ رقيبَ الجدي إذ ذاكَ صَرْفَةٌ إذا غابَ ذاك الضِّدُّ تطلُعْ وتلتَقِي
ولي شَاهِدٌ أنَّ الجديَّ نَظيرُهُ قَرينٌ لهُ الفَرْغُ المُقَدَّمُ ما بَقي
وقال أبو العلاء المعرِّي:
وَأَمسى اللَيثُ مِنها لَيثَ غابٍ يُجاذِبُ فَرسَهُ المُتَوَحِّداتُ
وَآضَ الفَرْغُ لِلسَّاقينَ فَرْغًا تُحاوِلُ ماءَهُ المُتَوَرِّداتُ
وَهَبَّ يَرومُ سُنبُلَةَ السَّواري خَبيرٌ وَالزَّرائِعُ مُحصِداتُ
آض : عاد.
وقال أيضًا:
كفاهُنَّ حَملَ القوت خِصْبٌ أتى القُرى قُرى النَّمل حتى آذَنَتْ بالتصَدُّعِ
سَقَتْها الذِّراعُ الضَّيْغَميَّةُ جُهدَها فما أغفَلَتْ من بطْنِها قيدَ إصْبَعِ
بها رَكَزَ الرُّمْحَ السِّماكُ وقُطِّعَتْ عُرى الفَرْغِ في مَبْكى الثُّريَّا بهُمَّعِ
وقال الكُمَيْت:
يا أرضنا هذا أوانُ تَحْيَيْن قدْ طالما حُرِمتِ نوءَ الفَرغَيْن
وقال القاضي التَّنوخي:
واقبل الفرغ إلى الفرغ كما أقبل عطشانَ إلى عذبٍ رَوَى
وقال ابن عربي:
صرْفَةٌ في نعائِمِ مَقدِمُ الْفَرْغِ عَنَتَا
وعوتْ بلدةٌ على مؤخّرِ الفرغِ يا فتَى
وسِماكٌ بذابحٍ في رِشاءٍ قد أسْمَتَا
وقال عدي بن زيد الذي أقام في الحيرة بالعراق، ولا بدَّ أنَّه أدرك أنَّ هذه الأيام تصادف الانقلاب الربيعي، أو ما يعرف بـ "النيروز"، الذي يبدل أسمالَ الخريف بحلل الرَّبيع:
في خريفٍ سقاهُ نوءٌ مِنَ الدَّلْوِ تَدَلَّى ولم تُوَارَ العَراقيِ
قال ابن الأبَّار البَلَنْسي:
وَلَو أَنَّ لِلسُحْبِ السِّفاحِ مَدامِعِي لَما أَبْصَرُوا مِنْها جَهَامًا وَلا نَجْوَا
كأَنَّ دِلاءً مِنْ جُفونِيَ أُفْرِغَتْ فَلا نُكْرَ إِنْ لَمْ يَعْرِفُوا الفَرْغَ وَالدَّلوَا
وورد في موسوعة إخوان الصَّفا عند نزول القمر بـ "الفَرْغ المقدَّم": "فإذا نزل به القمر، فاعملْ فيه نيرنجات العداوة والقطيعة، وعقد الشهوة والسُّموم القاتلة والطلسم، ولا تدبِّر الصَّنعة، ولا تدعُ، واحللْ فيه عقدة الشهوة، وعالجْ بالروحانيَّة، وادخلْ فيه على الملوك والأشراف، والبسْ ما أحببت من الثياب الجدد، وازرعْ ولا تكتلْ غلَّتك، فمن اكتالها عاقبه السُّلطان بغرم فتذهب غلَّته أو ثمنها. ومن ولد فيه، إنْ كان ذكرًا، كان مشؤومًا محدودًا محارفًا، متهتِّكًا، خبيث الدخيلة، سيئ السيرة، مذمومًا عند الناس، وإن كانت أنثى، كانت ميمونة سعيدة محبَّبة، مستورة، حظيَّة عند الرجال".
ولأنَّ "الفَرْغ المقدَّم" في كوكبة "الحصان الأعظم" (بيجاسوس) (Pegasus)، روى الشَّاعر الكبير "أوفيد" في كتابه "التحوُّلات" أنَّه عندما سأل "أكريسيوس" Acrisius ملك "آرجوس" Argosعرَّافة "دلفي" Delphi الطالع، أجابته بأنَّ هلاكه سيكون على يد حفيده، وإذ لم تكن له إلا ابنته العذراء "داناي" Danae فقد قام بحبسها في برج برونزي لا يطاله بشر، ولكن "زيوس" الشبق تسلَّل إلى مضجعها في هيئة رذاذ ذهبي وأحبلها فوضعت غلامًا اسمه "بيرسيوس" Perseus. ثم أمر الملك بوضع الأم والصبي في صندوق وألقاه في اليمِّ، فحطَّ على سواحل جزيرة "سيريفوس" Seriphos، والتقطهما صيَّاد يدعى "ديكتيس" Dictys آواهما عنده إلى أن بلغ الصبي الحلم. هام "بوليدكتيس" Polydectes ملك الجزيرة وجدًا "بداناي" وأراد التخلُّص من الصبي فسأله في حفل أعدَّه رأس "الميدوزا" Medusa.
كانت "الميدوزا" فيما مضى فتاة رائعة الحسن، ولكن "منيرفا" Minerva مسختها وحشًا لأنَّها فَجرت مع "بوسايدون" Poseidon إله البحر الذي أغواها في صحن معبدها، فصيَّرتها امرأة مفزعة، وصيَّرت ضفائرها ثعابين، وصار مصير من ينظر إليها أن يؤول إلى كتلة من الحجر.
وحتى تكلَّل رحلة "بيرسيوس" في البحث عن "الميدوزا" بالظفر قدَّم "هيرميس" Hermes سيفه المعقوف، وصنادله المجنَّحة، و"أثينا" Athena درعها البرونزية المصقولة، و"هاديس" Hades طاقية الإخفاء، وهدوه إلى غرب جزيرة "التفاحات الذهبية"، فقصدها كالبرق الخاطف وجاء إلى "الجراياي" Graeae وهما الأختان العجوزان اللتان تحرسان "الميدوزا" ولا تبصران إلا بعين واحدة تتبادلانها في ساعة محددة من اليوم. خطف "بيرسيوس" العين بيد رشيقة في لحظة التبادل فلم يكدن يرينه وسأل الحارستين عن مكان "الميدوزا" لقاء العين فدلتاه عليها.
رمى "بيرسيوس" العين في بحيرة هناك، وقصد كهف "الميدوزا" في الجانب الغربي، ولمَّا دخل، دنَا فأبصر انعكاس صورتِها في الدِّرع المصقولة، ولمَّا أخذها السُّبات أجهز بسيفه المعقوف على العنق ففصل الرأس ودسَّه في كيس من الجلد. ومن الدَّم المنبجس من العنق خلق البراقان "بيجاسوس" و"كريساور" Chrysaor. الأول هو مطيَّة الأنبياء، وأحد الكواكب الثمانية والثمانين التي تزيِّن السَّماء.
ويصادف الأول منه بداية السنة البابلية. و"الدَّلو" أربعة كواكب واسعة مربعة كما ظنَّها العرب. فاثنان يشكِّلان "الفَرْغ الأول" (المقدَّم)، وهما نجم "المركب" ونجم "الساعد"، و"فرغ الدَّلو" في علم النجوم عند العرب هو مصبُّ الماء بين العَرْقُوَتَيْنِ. وقد يقال لـ "الفَرْغ الأوَّل" إنه "عَرْقُوَةُ الدَّلو العليا"، ولـ "الفَرْغ الآخر" إنه "عَرْقُوَة الدَّلو السُّفلى". وسُمي بـ "فرغ الدَّلو" لأنَّ الأمطار تهطل غزيرة في وقته، فكأنه فَرغ دلو، وهو مَهيل مائها. وقال بعضهم: "إنما سُمِّي بالعَرْقُوَة والفَرْغ تشبهًا بعَرَاقي الدَّلو" لأنهما على هيئة متقاطعة.
وفي العلوم الحديثة، وفي ما رصدته المراصد والتلسكوبات، تبيَّن أنَّ نجم "المركَب" (Markab)، نجم أبيض عملاق في كوكبة الفرس الأعظم، قدره الظاهري 2.5، وزمرته الطَّيفيَّة B9.5 lll، وقطره 4.7 قطر الشمس، ويبعد 133 سنة ضوئية عن الأرض. وأمَّا نجم "السَّاعد" (Scheat)، فعملاق أحمر يفوق قطره قطر الشمس بتسعين مرَّة، ويبلغ تألُّقه 1500 ضعف تألُّقِها، قدره الظاهري بين 2.3 و2.7، وزمرته الطَّيفيَّة M2ll lll، ويبعد 196 سنة ضوئيَّة عن الأرض.
ومن انعكاسات دخول "الفَرْغ المقدَّم" على الطبيعة والمناخ، البدء بزراعة الأرز، وحصاد القمح، وإذا نزل فيه البرد فإنه يُهلك الثمار، وفي طلوعه أيضًا، تُقلَّم شجيرات العنب لاستغراسها في عرائش جديدة، وينعقد اللوز والتُّفاح والتِّين، والخضار بأنواعها، كالرِّجلة والنَّعناع، ومن البقول الفاصولياء واللوبياء وأضرابهما. وفيه يتم تأبير النخل، وما يُغرس عند نزول القمر في هذه المنزلة لا يُترك مكشوفًا حتى لا تُهلك الشمس جمارته (طلع النخل).
كما تقصد الطيور المهاجرة في "الفَرْغ المقدَّم" الأجواء المعتدلة، وتعود طيور الدُّخَّل والقُمْري إلى موطنها الذي جاءت منه، وقد يعود الهُدْهُد بنبأ عظيم، ويسمع صوت الصَّقرقع (الورْوار) ليعلن حلوله عوض الطيور التي عادت أدراجها إلى مواطنها الأصلية، وهو من جنس الطيور التي تنتقل جماعات وتتعالى صرقعتها. وإذا ما وجدت نفسك في موضع كهذا، فليس لك إلا أن تردِّدَ قولَ الله في كتابه: ]والطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قدْ عَلِمَ صلاتَه وتَسْبِيحَهُ[ (النُّور، 41). وستكون صرقعة الورْوار نداء لجذب الإناث في موسم التزاوج.
وفي "الإمارات" يزهر طيف من النباتات في "الفَرْغ المقدَّم" منها: "شوك الضَّب" المقوِّي (الشاحذ) للباه، و"الصبَّار" الذي لا يكلُّ من العطش ولا يملُّ، و"الحبن"، و"الأشخَر"، و"الخناصر"، و"الكحل"، و"العلَّان" الذي يعشق السواحل، و"لحية الشَّايب" ذات الوقار، و"التربة" الملوِّحة برايتها البيضاء (زهرتها)، و"الكِسْكاس"، و"المشموم" المذهَّب الزهور، و"شوك اليمل" (الجمل) برائحة الكاكاو، و"حوا الغزال"، و"الحبابط (العظلم)، و"العضيدة"، و"العرفج" الذي تعشقه النار، و"عشبة أم سالم"، و"علقة بيضه"، و"الطرثوث"، و"عين الوزَّة"، و"السَّبَط" الذي يبعث في المطايا الهمم، وغيرها.
وفي "الفَرْغ المُقَدَّم" ترتفع درجة الحرارة، وتهب الرياح الشمالية الغربية الباردة، وهي رياح موسمية تُعرف في بعض الأقطار الخليجية بـ "البارح" وتحدث تغيُّرات في الطقس لأيام عدة، وهناك من جعلها أربعين يومًا تزيد أو تنقص في بعض السنوات فتسبب انخفاضًا في الحرارة، ومقدمات لـ "السرايات" ومراويح الصيف التي تنشأ عنها سحب وعواصف رعدية سريعة. ويعتقد العرب أنَّ الزَّواج في "الفَرْغ المقدَّم" جيِّد.
وقال ساجع العرب: "إذا طلع الدَّلو، هِيب الجزو، وأَنْسَلَ العفو، وطلبَ اللَّهْوَ الخِلْوُ". فجمع في السجع القول لـ "الفرغين" بذكره الدلو. وقوله "هيب الجزو"، يريد أنَّ الرطب جفَّ، وخيف أن لا ترتوي الإبل به من الماء. و"انسل العفو"، أي سقط نسله، أو صار أوان سقوطه، وهو الوبر الذي ينبت في كل حول. و"العفو" ولد الحمار. وقوله "طلب اللهو الخلو"، يريد طلب التزويج. و"اللهو" هي المَرأة، وهو النكاح. قال الله تعالى: [لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ] (الأنبياء، 17)، أي لو أردنا صاحبة لاتَّخذنا ذلك عندنا. وقال امرؤ القيس:
ألا زعمتْ بَسْباسَةُ اليومَ أنني كَبِرتُ وأن لا يُحسِنَ اللَّهْوَ أمثالي
يريد النكاح. ويقال أيضًا "السرُّ" وهو مثله. وإنما يطلب التزويج في هذا الوقت لأنه خرج من ضيق الشتاء وشدَّتِه وأمكنه التصرفُ وابتغاء الرزق، فطلب التزوج.
قال ابن ماجد:
لعمرُكَ إنَّ الفَرْغَ ضِدُّ مُربَّعٍ تَفَرَّقنَ طُولَ الدَّهرِ كلَّ التفرُّقِ
كَما فَارَقَ العُيُّوقُ شَوْلَة عقربٍ وصَارَا خُصُومًا تَتَّقِيهِ ويتَّقِي
وقال أيضًا:
وصارَ رقيبَ الجدي إذ ذاكَ صَرْفَةٌ إذا غابَ ذاك الضِّدُّ تطلُعْ وتلتَقِي
ولي شَاهِدٌ أنَّ الجديَّ نَظيرُهُ قَرينٌ لهُ الفَرْغُ المُقَدَّمُ ما بَقي
وقال أبو العلاء المعرِّي:
وَأَمسى اللَيثُ مِنها لَيثَ غابٍ يُجاذِبُ فَرسَهُ المُتَوَحِّداتُ
وَآضَ الفَرْغُ لِلسَّاقينَ فَرْغًا تُحاوِلُ ماءَهُ المُتَوَرِّداتُ
وَهَبَّ يَرومُ سُنبُلَةَ السَّواري خَبيرٌ وَالزَّرائِعُ مُحصِداتُ
آض : عاد.
وقال أيضًا:
كفاهُنَّ حَملَ القوت خِصْبٌ أتى القُرى قُرى النَّمل حتى آذَنَتْ بالتصَدُّعِ
سَقَتْها الذِّراعُ الضَّيْغَميَّةُ جُهدَها فما أغفَلَتْ من بطْنِها قيدَ إصْبَعِ
بها رَكَزَ الرُّمْحَ السِّماكُ وقُطِّعَتْ عُرى الفَرْغِ في مَبْكى الثُّريَّا بهُمَّعِ
وقال الكُمَيْت:
يا أرضنا هذا أوانُ تَحْيَيْن قدْ طالما حُرِمتِ نوءَ الفَرغَيْن
وقال القاضي التَّنوخي:
واقبل الفرغ إلى الفرغ كما أقبل عطشانَ إلى عذبٍ رَوَى
وقال ابن عربي:
صرْفَةٌ في نعائِمِ مَقدِمُ الْفَرْغِ عَنَتَا
وعوتْ بلدةٌ على مؤخّرِ الفرغِ يا فتَى
وسِماكٌ بذابحٍ في رِشاءٍ قد أسْمَتَا
وقال عدي بن زيد الذي أقام في الحيرة بالعراق، ولا بدَّ أنَّه أدرك أنَّ هذه الأيام تصادف الانقلاب الربيعي، أو ما يعرف بـ "النيروز"، الذي يبدل أسمالَ الخريف بحلل الرَّبيع:
في خريفٍ سقاهُ نوءٌ مِنَ الدَّلْوِ تَدَلَّى ولم تُوَارَ العَراقيِ
قال ابن الأبَّار البَلَنْسي:
وَلَو أَنَّ لِلسُحْبِ السِّفاحِ مَدامِعِي لَما أَبْصَرُوا مِنْها جَهَامًا وَلا نَجْوَا
كأَنَّ دِلاءً مِنْ جُفونِيَ أُفْرِغَتْ فَلا نُكْرَ إِنْ لَمْ يَعْرِفُوا الفَرْغَ وَالدَّلوَا
وورد في موسوعة إخوان الصَّفا عند نزول القمر بـ "الفَرْغ المقدَّم": "فإذا نزل به القمر، فاعملْ فيه نيرنجات العداوة والقطيعة، وعقد الشهوة والسُّموم القاتلة والطلسم، ولا تدبِّر الصَّنعة، ولا تدعُ، واحللْ فيه عقدة الشهوة، وعالجْ بالروحانيَّة، وادخلْ فيه على الملوك والأشراف، والبسْ ما أحببت من الثياب الجدد، وازرعْ ولا تكتلْ غلَّتك، فمن اكتالها عاقبه السُّلطان بغرم فتذهب غلَّته أو ثمنها. ومن ولد فيه، إنْ كان ذكرًا، كان مشؤومًا محدودًا محارفًا، متهتِّكًا، خبيث الدخيلة، سيئ السيرة، مذمومًا عند الناس، وإن كانت أنثى، كانت ميمونة سعيدة محبَّبة، مستورة، حظيَّة عند الرجال".
ولأنَّ "الفَرْغ المقدَّم" في كوكبة "الحصان الأعظم" (بيجاسوس) (Pegasus)، روى الشَّاعر الكبير "أوفيد" في كتابه "التحوُّلات" أنَّه عندما سأل "أكريسيوس" Acrisius ملك "آرجوس" Argosعرَّافة "دلفي" Delphi الطالع، أجابته بأنَّ هلاكه سيكون على يد حفيده، وإذ لم تكن له إلا ابنته العذراء "داناي" Danae فقد قام بحبسها في برج برونزي لا يطاله بشر، ولكن "زيوس" الشبق تسلَّل إلى مضجعها في هيئة رذاذ ذهبي وأحبلها فوضعت غلامًا اسمه "بيرسيوس" Perseus. ثم أمر الملك بوضع الأم والصبي في صندوق وألقاه في اليمِّ، فحطَّ على سواحل جزيرة "سيريفوس" Seriphos، والتقطهما صيَّاد يدعى "ديكتيس" Dictys آواهما عنده إلى أن بلغ الصبي الحلم. هام "بوليدكتيس" Polydectes ملك الجزيرة وجدًا "بداناي" وأراد التخلُّص من الصبي فسأله في حفل أعدَّه رأس "الميدوزا" Medusa.
كانت "الميدوزا" فيما مضى فتاة رائعة الحسن، ولكن "منيرفا" Minerva مسختها وحشًا لأنَّها فَجرت مع "بوسايدون" Poseidon إله البحر الذي أغواها في صحن معبدها، فصيَّرتها امرأة مفزعة، وصيَّرت ضفائرها ثعابين، وصار مصير من ينظر إليها أن يؤول إلى كتلة من الحجر.
وحتى تكلَّل رحلة "بيرسيوس" في البحث عن "الميدوزا" بالظفر قدَّم "هيرميس" Hermes سيفه المعقوف، وصنادله المجنَّحة، و"أثينا" Athena درعها البرونزية المصقولة، و"هاديس" Hades طاقية الإخفاء، وهدوه إلى غرب جزيرة "التفاحات الذهبية"، فقصدها كالبرق الخاطف وجاء إلى "الجراياي" Graeae وهما الأختان العجوزان اللتان تحرسان "الميدوزا" ولا تبصران إلا بعين واحدة تتبادلانها في ساعة محددة من اليوم. خطف "بيرسيوس" العين بيد رشيقة في لحظة التبادل فلم يكدن يرينه وسأل الحارستين عن مكان "الميدوزا" لقاء العين فدلتاه عليها.
رمى "بيرسيوس" العين في بحيرة هناك، وقصد كهف "الميدوزا" في الجانب الغربي، ولمَّا دخل، دنَا فأبصر انعكاس صورتِها في الدِّرع المصقولة، ولمَّا أخذها السُّبات أجهز بسيفه المعقوف على العنق ففصل الرأس ودسَّه في كيس من الجلد. ومن الدَّم المنبجس من العنق خلق البراقان "بيجاسوس" و"كريساور" Chrysaor. الأول هو مطيَّة الأنبياء، وأحد الكواكب الثمانية والثمانين التي تزيِّن السَّماء.
No comments:
Post a Comment