Wednesday, February 22, 2017

سعد بُلَع -من منازل القمر


"سعد بُلَع" من منازل القمر
ندعوكم للتعرف معنا على منزلة «سعد بُلَع» من مشروعنا الجديد #منازل_القمر للشاعر والمفكر الإماراتي #محمد_أحمد_السويدي ، ونعرض هنا تباعا ًالثماني وعشرون منزلة التي ينزلها القمر كل عام، قوامها ثلاثة عشر يوماً لكل منزلة، عدا جبهة الأسد أربعة عشر يوماً، ما يجعل السنة 365 يوماً تمثل التقويم الشمسي للعرب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"سعد بُلَع"، ثاني "السُّعود" الأربعة التي ينزلها القمر، وثاني "خمسينيَّة الشتاء"، وثاني "العقارب"، وتاسع المنازل اليمانيَّة. طالعه في الثالث والعشرين من شباط (فبراير)، ومدَّته ثلاثة عشر يومًا.
والسُّعود نجومٌ عَشَرة، منها أربعةٌ ينزلها القمر هي: "سَعدُ الذَّابِح"، و"سَعدُ بُلَعَ"، و"سَعْد السُّعود"، و"سَعدُ الأخبيةِ". والأخرى هي "سعد ناشرة"، و"سعد النُّهَى"، و"سعد الهُمام"، و"سعد الملِكِ"، و"سعدُ البارع"، و"سعد مطر".
و"سعد بُلَع" عند العرب نجمان في كوكبة "الجدي"، نجم ظاهر، وآخر خفي، الأول يسمَّى "بالعًا" لأنه بلع قرينه الخفيَّ وأخذ ضوءَه، وقيل إنَّه سمِّي كذلك لأنه بلع شاته، أو لأنه طلع حين صدعت الأرض لأمر الخالق كما في قوله عزَّ وجلَّ: ]يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي[ ( هود، 44).
وفي العلوم الفلكية الحديثة يبدو نجم "البالِع" (Albali) متألِّقا أبيض في كوكبة الدَّلو، قدره الظاهري 3.77، وزمرته الطيفيّة A1 V، وهو أشدُّ تألُّقا من شمسنا بـ 40 ضعفًا. ويبعد 208 سنة ضوئية عن الأرض. أمَّا نجم "الخفيّ" والذي عدَّه العرب مبلوعًا لخفائه، فهو نظام نجميٌّ ثنائي، يبلغ قدره الظاهري 4.7، ويبعد 157 سنة ضوئية عن الأرض.
وحال طلوع البالع تتغير الطبيعة ويتغير المناخ ، وكما أسلفنا بأن نوء "العقارب" هو ثلاثة منازل هي: "سعد الذَّابح"، و"سعد بُلع"، و"سعد السُّعود". فيقال: "أوَّلها سم (بردها قاتل كالسم)، وثانيها دم (تدمي ولا تقتل)، وثالثها دسم (ما تحمله ظهور المواشي من دسم) نتيجة رعيها".
قال "المسعودي" في "مروج الذهب": "إنَّ آخر ثلاثة أيام من "شباط "(فبراير)، وأول أربعة من "آذار" هي "أيام العجوز"، والعرب تسمِّي هذه الأيام السَّبعة: "صِنَا"، و"صِنبْرا"، و"وَبْرا"، و"آمرا"، و"مؤتمرا"، و"معللا"، و"مطفئ الجمر". قال بعض العرب في أسماء "أيام العجوز":
كُسِعَ الشِّتاءُ بسبعةٍ غُبْرِ صِنٍّ وصِنَّبْرٍ وبالْوَبْرِ
وبآمرٍ وأخيه مؤتمرٍ ومعلّلٍ، وبمطفئِ الجَمْرِ
فإذا انقضت أيَّامُ شَتْوَتِنا أيَّامُ صادِرَةٌ عن القَرِّ
ذهب الشِّتاء مُولِّيًا هرَبًا وأتتكَ واقِدةٌ مِنَ الْحَرِّ
يحكى أنَّ بعضًا من العرب جزَّت الأصواف والأوبار مؤذنة بالصيف، فقالت عجوز منهم: "لا أجزُّ حتى تنقضي هذه الأيام فإني لا آمنها"، فاشتدَّ البرد بها، وأضرَّ بمن قد جزَّ، فسمِّيت "أيام العجوز". وقيل إنَّها نسبت إلى العجوز، لأنَّ عجوزًا من عاد دخلت سَرْبًا فتتبعها الريح فقتلتها في اليوم الثامن، وقيل: "سمِّيت أيام العجوز لأنَّها وقعت في عجز الشتاء". والعامة تسمِّيها في مروياتهم الشفاهية "الأعجاز"، أو أيام "بيَّاع الخبل عباته".
وتُزرع في منزلة "سعد بُلَع" فسائل النخيل وأفراخه والبطيخ، والشَّمام، والقِثَّاء، والقطن، والباميا، واللوبياء والرِّجلة، والنَّعناع، والكراث، وقصب السُّكر، والقرعيات، وكثير من الخضار، وأنواع جمَّة من أشجار الفاكهة كالأترج، والليمون، واليوسفي، والبرتقال، والعنب، وسواها.
وفي "الإمارات" تزهر طائفة من النباتات في منزلة "سعد بُلع" منها: "شوك الضَّب"، و"الصبار"، و"الآرا" (آرى)، و"الحبن" (الدِّفلى) رائقة المرأى سيئة الخبر، و"الحرمل" غذاء المعزى ودواء المحموم، و"الأشخَر"، و"الخناصر"، و"الكحل"، و"الرَّمرام" الذي تطمئن برؤيته الإبل، و"العلَّان"، و"الليساف"، و"الشَّفلح" (كبر)، و"المخيسة"، و"الصُّفَير"، و"لحية الشَّايب"، و"المشموم" الذي يتهاداه العشَّاق، و"الكِسْكاس"، و"شوك اليمل" (الجمل)، و"حوا الغزال"، و"المهتدي"، و"العضيدة"، و"الحباب" (عظلم) الذي يتَّخذ البدو عصارته الحمراء خضابًا، و"علقة بيضة" وعنوانها البريدي حفيت (جبل)، وغيرها من النباتات.
ويعتقد العرب أنَّ الزَّواج في "سعد بُلَع" جيِّد ومحمود.
وقال ساجع العرب في دخوله: "إذا طلع سعد بُلَعْ، اقتحم الرُّبَعْ، ولحق الهُبَعْ، وصِيدَ المُرعْ، وصار في الأرض لُمَعْ". و"اقتحام الرُّبع" تعني أن ابن الناقة (الفصيل) يقوى في مشيه ويسرع فلا يضبط. و"الرُّبع" أول النتاج، و"الهبع"، النتاج المتأخر الضعيف، أي أنه قوي قليلًا، و"المرع" طير واحده مرعة. و"صار في الأرض لمع"، أي صارت تلمع من الكلأ. وقيل: "إذا طلع سعد بُلَع، نقَّت الضفادع، وباضت الهداهد، وتزاوجت العصافير، وهبَّت الجنوب، وأعشبت الأرض".
وللعرب في هذه المنزلة أشعار وأسجاع كثيرة، فمن قصيدة لرهين المحبسين أبي العلاء المعرِّي:
أمَّا الزَّمانُ فَأَوقاتٌ مُواصَلَةٌ يا سَعدُ وَيحَكَ هَل أَحسَستَ مَنْ بُلَعُ
أَسرِر جَميلَكَ وافعل ما هَمَمتَ بِهِ إنَّ المَليكَ عَلى الأَسرارِ مُطَّلِعُ
وقال ابن سينا:
وتوأمُ نجمانِ في سَعْدِ بُلَعْ رؤيتُهُ لِكُلِّ وُدٍّ قَدْ جَمَعْ
ومثلُهُ أيضًا لِسَعْدِ الذَّابِحِ رُؤيتُهُ لِكُلِّ وُدِّ صَالِحِ
وقال ابن ماجد:
وَقَد بَدَا مَطلَعُ سَعدِ الذَّابِحِ لِكُلِّ ذي عَقلٍ رَزِينٍ رَاجِح
وَقَد بَدَا مِن بَعدِهِ سَعدُ بُلَعْ نَجمَينِ فيمَا بَينَهُنَّ مُتَّسَعْ
وقَد بَدَا سَعدُ السُّعُودِ بَعدَهُم نَجمَينِ مَا حَد في القِوَامِ ضِدُّهُم
مِن بَعدِهِ يَطلُعُ سَعدُ الأخبِيَهْ أربَعَةً لِلنَّاسِ غَيرَ خَافِيَهْ
وقال الشريف الغرناطي:
قالوا أبو بكرٍ متى ما حَضرَ الأكلُ طلعْ
وإن تكن وليمةٌ يَخُبُّ فيها ويضَعْ
ما أعجبَ السَّعدَ الذي ساعدَ ذلكَ اللُّكَعْ
فقلتُ حَقًا قلتُمُ لكنهُ سعدُ بُلَعْ
وقال القاضي التَّنوخي:
كأنّما الأسْعُدُ حين اتَّسَقَت روض ثغور بالعيون تُرْتَوَى
يَقْدُمُها ذابِحُها كهاربٍ أو طالبٍ يَحْذَرُ فَوْتَ مَا ابْتَغَى
ولاحَ سَعدُ بُلَعٍ كضاحكٍ أو كارعٍ يكرعُ في كَأْسِ لَمَى
وقال لسان الدين بن الخطيب:
ولِعُثْمانَ ارْوِ عنِّي وابْنِه حُسْنَ عهْدي دَرَّةَ الرَّعْي رضَعْ
واذكُرِ الصَّبَّاغَ عبْدَ اللهِ إنْ رجَّعَ الشّدْوَ وبالذِّكْرِ سجَعْ
ولْتَصِفْ شَقْرونَ بالسَّعْدِ وإن قيلَ أيُّ السَّعْدِ قُلْ سعْدُ بُلَعْ
يا لَهُمْ مِنْ سادَةٍ جرَّعَني بيْنَهُمْ منْ مضَضِ البَيْنِ جُرَعْ
جاء في الأساطير الإغريقية أنَّ الجبَّار "أورانوس" Uranus (السَّماء) خبَّأ أولاده بعيدًا في أعماق الأرض (تارتاروس) Tartarus، لأنه كان مذعورًا من بشاعة سيماهم، ومن قوتهم وشدَّة بأسهم. ولمَّا وجدت الجبَّارة "جايا" Gaia (الأرض) أنَّ ذريتها معذَّبة ومتعبة، وأنَّ التعب أكبر من أن يطاق، تفتَّق ذهنها عن خطة ترمي إلى (إخصاء) زوجها. فهبَّ ابنها كرونوس Cronus (أصغر الجبابرة الاثني عشر) لتلبية طلبها. ولكي تساعد بدورها "كرونوس" في إنجاز مهمته، أعطته منجلًا صُلْبًا ليتَّخذه سلاحًا.
كَمَن "كرونوس" منتظرًا ومتخفيًا عن الأنظار, وعندما جاء "أورانوس" ليضاجع "جايا" هاجمه "كرونوس"، وبضربة واحدة قوية من منجله قطع أعضاء أبيه التناسليَّة. ( قيل إنَّ "أفروديت" Aphrodite وُلدت من الرغوة التي فاضت من أعضاء "أورانوس" التناسليَّة، بعد أن ألقاها "كرونوس" في البحر).
وفور إخصاء "كرونوس" لأبيه "أورانوس"، اعتلى وزوجته (وهي أخته) "ريا" Rhea العرش. وتحت سلطانهما بدأ زمن الخير والرَّخاء، فيما عرف بعد بـ "العصر الذَّهبي"، الزمن الذي قيل إن الناس قد عاشوا فيه بلا جشع أو خوف أو عنف، وبدون كدح أو حاجة إلى قوانين. لكن لم تمضِ الأمور على ما يرام مع "كرونوس"، فقد كان مقدرًا له أن يُهزم على يد أحد أبنائه. ولكي يحول دون ذلك، كان يبلع أطفاله، محتفظًا بهم داخل بطنه حيث لا يمكنهم إيذاءه.
لم تعجب "ريا" فكرة فقدها لكل أولادها، فاستطاعت بمساعدة "جايا" أن تحمي "زيوس" من هذا المصير. دثَّرت "ريا" حجرًا بقماط "زيوس"، فأخذه "كرونوس"، وابتلعه معتقدًا أنه الطفل. فنجحت خطة "جايا" و"ريا"، وأُخذ الرضيع "زيوس" إلى جزيرة "كريت" Crete. وهناك، في كهف في جبل "ديكتي" Dicteأو Ida، تولـَّت "أمالثيا" Amalthea (الماعز الإلهيَّة) الطفل "زيوس" وأرضعته وربَّته.
وعندما شبَّ "زيوس" وعاد إلى أرض أبيه، وبمساعدة "جايا"، أرغم "كرونوس" على أن يتقيَّأ أبناءه الخمسة الذين كان ابتلعهم. (قيل إنّ "زيوس" تلقَّى مساعدة من "ميتيس" Metis (الجبَّار الحكيم) بأن أعطاه جرعة من دواء مقيِّئ جعله يتقيَّأ إخوة زيوس وأخواته). قاد زيوس في ما بعد تمردًا ضدَّ والده والسُّلالة الحاكمة من الجبابرة، فهزمهم ونفاهم. وعرفانًا منه لـ "أمالثيا" (الماعز الإلهيَّة) التي أرضعته، رفعها كوكبة إلى قبَّة السَّماء.

No comments:

Post a Comment