Friday, June 17, 2016

ها قد اكتحلت العيون بـ - الدولومايت -

 
كان المطعم يبعدُ قرابة نِصف الساعة عن مقر إقامتنا بإيطاليا، فرأينا أنْ نستقلّ سيارةَ من الفندق، وكان السائق شاباً في الحادية والعشرين من عمره، يجيد اللغة الإنكليزية، فسألته كيف تعلّمها بمثل هذه السنّ المبكرة وفي بلد يشحّ فيه المتحدثين بها؟!
فقال: أن والده يملك مطعماً وحانة خمر (Bar)، لذا فقد تمكن من إتقانها بسبب اختلاطه برواد المكان.
ثم سألناه عن المطعم الذي نريده، فقال أنّه لم يقصده من قبل، فالمنطقة بعيدة عن "ميلانو" والذهاب إليها يكون غالبا بقصد ارتياد المطعم، فمطعم تحصّل على (ثلاث نجوم) له ما للمدينة من ثقل وتأثير فيقصده الناس كما لو أنهم في رحلة إلى مدينة عامرة.
عندما دخلنا مطعم "دا فيتوريو" في منطقة "براسابورتو" التي تقع في الأطراف القصية شرق "ميلانو" وجدناه يعجّ بالعوائل الأرستقراطية، ورأينا -رأي العين- صحون الذهب والفضة مثيلة تلك التي كانت تُرمى في نهر "آرنو" من فيللا "ايتشيجي"، أما أعداد الطهاة والنُدُل فيكاد يفوق أعداد روّاده ..
ولقد فعلت ا(لثلاث نجوم) فعلها، فلقد كانت وجبة عامرة لا تُنسى..
قُدّم إلينا أول الأمر (الكندي) وهو ضرب من الخبز مع الفطر، ثم أُتبع بطبق بياض البيض مخفوقا بالخبز والصفار كمقبّلات، ومن ثمّ "البولنتا" مع "الباكلاه".
أما الطبق الرئيس فكان "باستا الباكري مع الطماطم" وهو من الطيّبات، ويُعدّ أمام ناظريك، وكأنك شريك في هذا المختبر الميلاني، فتمتلئ عينيك وحواسك بسحره حتى تشعر أنك في لحظة مّا أصبحت شريكاً في النجوم الثلاثة أيضاّ.
ومن ثم الأسماك المقلية ولحم الروستو، ومصدره أبقار "بيمونتي" التي ترعى في جبال الألب.
واختتموا المأدبة بتقديم "الكانولّي" بالقشدة، حيث ناولنا النادل قطعة من الخبز ثم عصر فيها القشدة، وقال بصوت احتفالي: خذوا الكانولي.. وكان ألذ من أي كانولي تناولناه من قبل بما فيه ذلك الذي يعدّه المطبخ الصقلّي الذي لا يُذكر إلا وذكر الكانولّي معه.
وألحقوا ذلك كله بحلوى شعر البنات، وكعك البرتقال العجيب، كتحية وداع.
وبعد أن ختمنا فصل العشاء تركتُ ماريا كالاس تصدح بأغنية (دونا دلّي)
كان المطر ينهر في الخارج انهمار سيلٍ من علٍ، وكانت الثواني في تلك الليلة تندلق كطيب، لولا تعامد ستة كواكب في السماء من برج الحوت المائي.
في الصباح التالي، وبعد فطور خفيف، انطلقنا إلى "الدولومايت" وإلى بلدة "كورتينا" تحديداً، وبعد نحو أربع ساعات وربع الساعة، وفي تاريخ 13 مارس 2016، بزغت "كورتينا".
أخيراً.. ها قد اكتحلت العيون بـ "الدولومايت".
  http://www.electronicvillage.org/mohammedsuwaidi_article_indetail.php?articleid=127

No comments:

Post a Comment