Friday, February 2, 2018

عِقْدُ الفلورنسيّة وأصابع أجدادي





عِقْدُ «الفلورنسيّة» وأصابع أجدادي

|| #الرحلة_الإيطاليّة || #محمد_أحمد_السويدي
(Almasalik المسالك)

من متاحف «ميلانو» الرائعة متحف «بولدي بيتزولي»، وهو قصرٌ لجامعِ تحفٍ ثري اسمه «جان بولدي بيتزولي» أوصى أن تقدّم تركته من اللوحات إلى أكاديمية «بريرا»، أمّا المبنى فلقد تضرر كثيراً أثناء الحرب العالمية الثانية، وهو مشيّد وفق الطراز الكلاسيكي الحديث، وافتتح في عام 1951م.
يشتمل المعرض على العديد من القطع الفنية الرائعة لِطَيفٍ من الفنانين...
فهل تتجوّل في «بولدي بيتزولي» من غير أن يعبر إليك «بوتشيللي» بعمله الرائع: "نحيب على المسيح الميت مع القديس"؟.. أو عمله الآخر: "مادونا والكتاب"؟ أما «مادونا» التي جعلها «بوتشيللي» تنهض ببهاءٍ وتحدِّق فيمن يتطلّع نحوها، وهي لفظة من مقطعين أولهما (ما) بمعنى أداة التملك لي، ولفظ (دونا) بمعنى السيدة. وهناك لوحة «ساحة في بادوا» لكانتللو، أما كانجليانو، فله «زفاف باخوس وأدريان».
ومن الأعمال التي يفخر المتحف باقتنائها تمثال «لورينزو بارتوليني»، ويمثّل مراهقة عارية تتعبّد.
والعري في هذا العمل تمثيلٌ للروحِ البشريةِ التي تضع ثقتها في المولى. وبالطبع، لا يخفى على المشاهد مافي هذا العمل من«إيروتيك». ولقد أثنى النقاد كثيراً على هذا العمل وحاز على إعجابهم. ولـ«بارتوليني» تمثال آخر لا يبتعد كثيراً عن هذا التمثال، سبق لنا رؤيته في متحف «اللوفر»، اسمه «الحورية والعقرب».
لا يقتصر المتحف على الأعمال الفنية، ففيه مجموعة نادرة من أنواع الساعات، والأسلحة، إضافة إلى بعض المقتنيات المتحفية الأخرى.
وبالرغم من توفّره على هذه المجموعة الواسعة والفريدة من الأعمال والمقتنيات، إلا أنّني ترددت عليه كثيرا بسبب عمل رأيته في زيارتي الأولى قبل نحو عشر سنوات، ولا زلت أتوق لرؤيته كلما زرت المدينة. إنّه بالنسبة لي المتحف ذاته وقد تمّ تقطيره في لوحة واحدة، أو كما لو أنّ الجمال جرى تكثيفه، فكانت هذه المرأة التي رسمها فنان معاصر لدافنشي اسمه «بيرو دل بولاليو»، عاش بين عامي (1443_1496). واللوحة تمثّل صورة شخصية لفتاة، أو «بورتريه» لامرأةٍ مجهولة، وتأخذني الريبة في أنّ السيّدة المجهولة بخيلة كذلك، بخيلة إلى حدّ أنها لم تسدّد ثمن اللوحة لـ«بيرو» فظلّت في عالم المجهول.
أما العقد اللؤلئِي الذي تزدان به ضفائرها وجيدها، فكلما رمقتُه تستجمع الحسرة أطرافها في صدري قبل أن أطلقها زفيراً طويلاً، فأقول ربما كان لأسلافي يدٌ فيه، بل اليد الطولى، ولعلهم انتخبوا لهذه السيّدة الفلورنسيّة الغامضة حبات عقدها من خليجهم الأزرق: شهورٌ من الكدح الذي يجعل الأجساد خيطيّة ضامرة، يستيقظون فجراً، ولا ينقطعون عن معانقة الماء حتى غروب الشمس، ويتعللون من الطعام بأقله، فلا تدخل جوفهم سوى حباتٍ قليلة من التمر وبعض القهوة، كل هذا في سبيل أنْ يجمعوا حبات العقد.
آه كم كابدَ أجدادنا من أجل تزيين هذا (الجِيد الميلاني) الذي لم أنقطع عنه منذ عشر سنوات، وكم شُكّت أصابع من الحبّات لتبعث البهجة في قلب هذه السيدة، فراحوا ولم يَفز أحدٌ منهم ولو بمحض نظرةٍ واحدةٍ منها.

No comments:

Post a Comment