Thursday, May 11, 2017

كليوباترا وتحصيل السعادة


على جسر هانوفر في جنائن ريجنت الملكيّة، توقّفنا قليلا .. الوقوف في صورته المتأملة تكميل للجولة، هكذا أفهم وقوفاتنا المتأملة حيث تكون مناسبة في الغالب ليحدّثني والدي عن أمر لم نكن نتداوله أثناء المشي وكأنه يرشدني أن لكل مرحلة من الجولة مقامها. ومقام جسر هانوفر، هو أن نتأمل الماء في الماء، أن نرنو إلى الطيور وكأنها في مهرجان ارتجلته الطبيعة لتمنح المكان جلالا على جلاله.
في الجهة الأخرى تظهر آسيوية تسير وتبتسم، وكأن الهواء يسرّها شيئا طريفا.
حدّثني والدي ونحن نغادر جسر هانوفر أن كتابا صدر باللغة الإنكليزية تناول سيرة حياة كليوباترا أعجبه، فلقد حاولت مؤلفته (ستايسي شف) الفائزة بجائزة بولتيزر أن تتعقّب حياة الملكة المصرية وتخلّصها من عشرات الحكايات التي أمعنت في تضليلنا طوال قرون ودفعت إلى المتلقّي صورة المرأة الملكة وخصوصا في لحظات الإنهيار المركّب (الدولة، والمرأة).
فقمت على الفور بتأمين نسخة عربية من الكتاب الذي كان قد تُرجم لتوّه، بعد أن أخضعت (جوجل) إلى اختبار كشفه، فحادثت السيّد عبد الوهاب تاج الدّين والذي شرع سريعا بتوفيره، فكان سرور والدي بالكتاب كبيرا.
كان الأمر شبيها بما أطلق عليه الفارابي بـ (تحصيل السعادة)، كنا لا نزال نقلّب الطبيعة وأشكال الطيور عندما مرق حبل طويل من راكضين بزيّ موحّد، يركضون بخطوات بطيئة وواسعة وكأنهم يحاولون اللحاق بشيء غير منظور.
كنت قد قرأت على الوالد مقالين كتبتهما قبل ذلك ببعض الوقت، واستعاد لفظة "البازل" الذي أوردته في مقالتي، وتساءل ان كانت اللفظة دالة على الناقة وليس البعير كما كتبت، وتوسّع في الأمر، قبل أن يعرّج على لفظتي (الخكري والغمري) اللتان أوردتهما في مقالتي أيضا للدلالة على الكسول من الرجال،
لي دار لي ولمن من الصدر فالع هدامى غاصتها غمارى سيوبها
(البيت من قصيدة يتيمة للشاعرة بنت بن ظاهر) أعجب كيف داهمتني الشاعرة لتشاركني الجولة مع والدي في ريجنت!
وأشار الوالد إلى أن الكلمتين بدلالتين مختلفتين، فمفردة الغمري تعني الشاب الغرّ القليل الخبرة، أما الخكري فيرى الوالد أنه الرجل البليد الذي لا يتقن عمله، وكلتاهما دالتان على قلّة الخبرة
كنا قد بلغنا في تلك المرحلة شارع ( شستر رود) حيث يطلّ مقهى (بينيجو) الذي يلقي الوالد فيه عصاه، ويجد الهناءة كاملة عندما يقتعد كرسيّا في أقصى الزاوية ويشرب قهوته.

No comments:

Post a Comment