Saturday, April 29, 2017

الرشا


http://www.electronicvillage.org/mohammedsuwaidi_publications_indetail.php?articleid=583

ندعوكم للتعرف معنا على منزلة «الرشا» من مشروعنا الجديد #منازل_القمر للشاعر والمفكر الإماراتي #محمد_أحمد_السويدي ، ونعرض هنا تباعا ًالثماني وعشرون منزلة التي ينزلها القمر كل عام، قوامها ثلاثة عشر يوماً لكل منزلة، عدا جبهة الأسد أربعة عشر يوماً، ما يجعل السنة 365 يوماً تمثل التقويم الشمسي للعرب.
الرِّشاء: 29 نيسان (أبريل) - 11 أيار (مايو)
"الرِّشَاء"، ثاني "الذِّراعين"، وخامس منزلة من منازل فصل الربيع، وآخر منازل القمر اليماني. طالعه في التاسع والعشرين من نيسان (أبريل)، ومدَّته ثلاثة عشر يومًا.
و"الرِّشاء" تعني لغةً: الحبل، وتسمَّى هذه المنزلة الحوت (السَّمكة) كذلك، وبطن الحوت، وقلب الحوت، وأمَّا "الذِّراعان" فكناية عن المطر الذي ينزل الأرض على قدر الذراع.
وفي العلوم الفلكيَّة الحديثة، وما أظهرته المراصد تبيَّن أنَّ نجم "الرِّشاء" (ِAlrisha) نجم ثنائي في كوكبة السمكتين (برج الحوت)، قدرهما الظاهري لكلٍّ من عنصري المنظومة على التوالي 5.23 و 4.33، وزمرتهما الطَّيفيَّة A2 و A3، كما أن كلًّا من العنصرين بدوره ثنائي طيفي، تقدَّر الدورة المداريَّة للمنظومة بـ 720 سنة، وسيبلغ النجمان أكثر اقتراب لهما من بعضهما البعض سنة 2060، ويبلغ القدر المطلق للمنظومة 0.09، أي 35 ضعف تألُّق الشَّمس، وتبعد (المنظومة) 139 سنة ضوئيَّة عن الأرض.
وفي الطبيعة والمناخ فإنَّ نوء "الرِّشاء" محمود يكثر فيه المطر، وفيه قوة فصل الربيع واستحكامه. ويستمرُّ موسم "البوارح"، وهي الرِّياح الشمالية الغربية، وفيه المطر "النيساني" الذي من خواصه، كما اعتقد العرب، انعقاد اللؤلؤ في الصدف. وفي هذه المنزلة، تهاجر طيور الصفاري (واحدته صفارة)، والخواضير وصغار الطيور، ويكثر فيه القُمري والكراكي (الغرانيق).
وفي منزلة "الرِّشاء"، يعتدل الجو ليلًا، أمَّا النهار فيميل إلى الحرارة، وفيه يختفي في شعاع الشمس عنقود "الثُّريَّا" النَّجمي عن الأبصار مدة 40 يومًا، وتسمَّى هذه المدة "كنَّة الثريا".
وتُغرس في طالع "الرِّشاء" فسائل النخيل وأفراخها، ويُجمع القِثَّاء والمشمش ويُشتار العسل (يجنى من خلاياه ومواضعه)، وتُسمَّد الأشجار مثنى، وتدلّى فيه قنيان (عذوق) النخيل بعد مرور ثمانية أسابيع من نهاية التلقيح. وتحبذ في هذه المنزلة زراعة البطيخ والسمسم والقطن والقرع وأضرابها.
وفي "الإمارات" تزهر طائفة من النباتات في منزلة "الرِّشاء" منها: "الهَرْم"، و"أبو شوكة"، و"الشكع"، و"البنفشة"، و"الحز" العشبة السحريَّة، و"الشرهام"، و"الطقيق"، و"العوسج" (صريم)، و"البنج" (سكران)، و"السراو" (مخيسة)، و"الطقيقة"، و"الخرمان"، و"الأراك" الذي تشبَّه به قدود الحسان، و"السدر" (النبق) الشجرة المباركة، و"الحمّيض"، و"الفريفرو"، و"الشليلة" المضيئة بالبنفسج، و"الحمرة"، و"السيداف" الذي يطلبه الذكور لإرضاء الإناث، و"الخبّيزة"، و"الظفرة"، و"ورد الجبل" (اليبل)، و"الغوَّيف" المتسلِّط على أشجار الغاف، و"النيلة"، و"الحلول" مطلق البطون، و"العشرج"، و"الجعيدة" (ريحانة)، و"الأسل" (سلي)، و"السَّبَط" الذي يحمل هويَّة أخرى باسم "الثمام"، و"الحباب" (عظلم)، وغيرها من النباتات.
والقلوب التي ينزلها القمر أربعة، هي: "قلب العقرب"، و"قلب الأسد"، و"قلب الثور"، و"قلب الحوت" (قلب السمكة). ومن أمثال العرب: "أتْبِع الدَّلو الرِّشاء".
قال زهير بن أبي سُلمى:
فشجّ به الأماعز وهي تهوي هويّ الدَّلو أسلمها الرِّشاء
وقال ساجع العرب: "إذا طلعت السَّمكةْ، نُصبت الشبكة، وأمكنت الحركةْ، وتعلَّقت بالثوب الحسكةْ. وطاب الزمان للَنسَكة".
"تعلّقت الحسكة"، يريد شوكة السعدان (نبات)، في إشارة إلى أن النبت اشتدَّ وقوي، فعلقت الحسكة بالثوب وغيره. و"نصبت الشباك" للطير في دلالة على كثرتها. و"طاب الزَّمان للنسكة"، يريد النسَّاك المتقللين الذين يسيحون في الأرض.
ويقال أيضًا: "إذا طلع الحوت، خرج الناس من البيوت".
قال ابن ماجد:
وَقَد بَدَا من بَعدِهِ الفرغَانِ مُرَبَّعَي الرَّسمِ بالعِيَانِ
لِكُلِّ فَرغ مِنهُمَا نَجمَانِ لَكِنَّمَا الأوَّلُ شَكلٌ ثاني
من بَعدِهِ الحوتُ يُسَمَّى بالرِّشا فَسَمِّهِ مِن ذَا وذاَ بِمَا تَشَا
قال علي بن محمد الكاتب:
والبدرُ كالملكِ الأَعلى وأنْجُمُهُ جنودُهُ ومباني قصره الفَلَكُ
والنهرُ من تحته مثلُ المجرةِ والـ رشاء يشبهه في مائِهِ السمك
وقال ابن دانيال الموصلي: وحاوٍ منَ الحُسنِ منْ صدْغهِ عقارِبَ قد جاوزَتْ أَحنَشا
بَذَلتُ لهُ الرُّوحَ في وَصْله وقاضي الهوى لا يحب الرشى
وبدرٌ لهُ أَدمُعي نثرةً يفوق الهلالَ بَدا في الرِّشا
وقال ابن عنين في الرشاء موريا:
فَجَعَلتُ سِرَّ القَلبِ سَترًا دونَهُ فَمَنِ الأَمينُ البَرُّ إِن قَلبٌ وَشى
إِنّي لَأَخشى القَلبَ يَكشِفُ سِرَّهُ إِن طارَ عَنهُ النِسرُ وَاصطادَ الرَشا
وقال التهامي:
حَيَيتُما من دمنتي طَللينِ عطلين موحشتين مقفرتينِ
عفَّى عراصهما عَلى طول البلى نوء الرَشا وَبَوارح الفرغَينِ
وَمَحاهما مِن آلِ محوة وَالصَّبا أَذيال غاديتين رائِحتينِ
وَكأَنَّما أَبقين من رسميهما طِرسَين مِن أَثوابِ ذي القرنَينِ
وقال ابن زقاعة من قصيدة طويلة عن الفلك:
شبهت عوَّاها بلام خطه قلم السماك ومده في الرقعة
والغَفْر من لدغ الزُّبانا خايف وكواكب الاكليل مثل الشيبة
والقلب يجذب شولة بزمامها ونعايم ترعى بأرض البلدة
عن ذابح بلع لسعد سعودها يروي حديثًا مسندًا عن صحة
عن سعد أخبية يقول مقدم ومؤخر أن الرشا في الخيمة
ختم المنازل كلها بنجومه ونجومه منظومة كالسبحة
وقال إخوان الصَّفا في رسائلهم: "فإذا نزل القمر ببطن الحوت،
فاعمل به نيرنجات المحبة وعطف القلوب بالمودة وإطلاق الأخيذ، وحل عقد السُّموم القاتلة، واعملْ فيه الطلسمات، ودبِّر فيه الصَّنعة، وادعُ فيه بالدعوة، وعالج فيه من الروحانية، وازرعْ واحصد واكتَلْ غلَّتك، وسافرْ، واختلط بالملوك والإخوان، وتزوَّج، واشترِ الرَّقيق والدَّواب، واستفتح فيه الأعمال، فإن ذلك محمود العاقبة، نامي البركة، نافذ الروحانية. ومن ولد فيه، ذكرًا كان أو أنثى، كان سعيدًا ميمونًا، زكيًا محمودًا، حسن السيرة".
ولأنَّ "الرِّشاء" من كوكبة "الحوت" (السَّمكة)، تحكي الأساطير الإغريقيَّة إنَّ الوحش الجبَّار "تايفون" Typhon أفزع آلهة الأولمب عندما داهمها في مهجرها في "مصر"، فاتَّخذ كلُّ إلهٍ شكلَ حيوان هربًا منه، حتى "زيوس" نفسه، وهو ربُّ الأرباب، حوَّله الفزع إلى حمل وديع. أمَّا "أفروديت" Aphrodite وابنها "إيروس" Eros، فلم يجدا خيرًا من الماء، فتحوَّلا من فورهما إلى سمكتيْن سبحتا بعيدًا عنه، وانزلقتا إلى نهر النيل. فرفعت "مينرفا" Minerva، إلهة الحكمة، السَّمكتيْن إلى قبَّة السَّماء من أجل أن تمكث هذه الحكاية على الأرض ولا تذهب جفاء، ولكي يدرك الأنام حكمة "أفروديت" التي اختارت الماء، فاختارتها السَّماء.

No comments:

Post a Comment