Saturday, April 1, 2017

همنغواي في الزمن الحلو


 
http://www.electronicvillage.org/mohammedsuwaidi_publications_indetail.php?articleid=520

انتهيت في الأمس من قراءة رواية "المائدة المتنقلة" لأرنست همنغواي ويا لها من مائدة، إنها باريس على طبق أرنستيّ من الزمن الحلو، باريس العشرينات صحبة الآنسة شتاين وإزرا باوند الذي أطلق عليه (ت.س إليوت) لقب الصانع الأمهر، بعد أن منحه صلاحية التجول بمبضعه في غابات قصيدته الأشهر (الأرض اليباب) وفيتزجرالد الذي رفد المائدة بالغاتس بي أحد الكتب الأعلى تأثيراً في الحضارة الإنسانيّة (101 كتاب)، إنه زمن إليوت ذاته، وبيكاسو، وجورج براك وبول فاليري، زمن مونيه وشاغال ورافاييل، وجيمس جويس الذي ترك يولسيس في مكابداته وقصد #باريس، وزمن مدام كوري كذلك وعائلتها النوبلية، إنه الزمن الذي جعل باريس آلة هائلة لتوليد الجمال وإشاعته في العالم.
طُبع الكتاب لأول مرة بعد انتحار همنغواي بسنتين، أي في عام 1963، وكان قد عكف عليه طيلة ثلاث سنوات، وجعله جنسا أدبيا لم يقترب من الطريقة التي اعتادها في نصوصه السابقة، فهو كتاب روائيّ سيرويّ اتّخذ فيه منحى السخرية الأخاذة بلغته السهلة والعميقة والتي لفرط سهولتها وعمقها شكّلت فخّا حقيقيا أمام الترجمة.
عكف همنغواي على تفصيل باريس شارعا شارعا، ومقهى مقهى، وكأنه كان يحرث السيرة الداخلية لباريس في زمنها الحلو أو الزمن المجنون كما أطلق عليه الباريسيون أنفسهم.
ولقد استعدت ذلك الزمن بعد أن استرشدت بهمنغواي، فأصبح الرجل دليلا بعد أن انتفض، فزال القبر والكفن..
وفي الوقت ذاته فرغت من وضع باريس على الهاتف، بحيث سيكون في وسعي زيارة وارتياد أهم المعالم والتعرّف على أهم الشخصيات من أدباء وفلاسفة وعلماء وفنانين، وسيكونون حملة نوبل حبة الكرز على هرم الكعكة الباريسية الحلوة.
كما سيحمل التطبيق في الأيام القادمة كل ما اشتملت عليه مائدة همنغواي المتنقلة من بهاءٍ باريسيّ رصدته عين الساحر الأمريكي وكل التحوّلات التي شهدتها المدينة في تلك المرحلة اللامعة، وكل الإشارات والتلمحيحات التي شكّها في طريقه ودوّنها في مائدته.
واشتمل الكتاب على وصف للمقاهي التي كانت تعدّ رحما تنضّجت فيه الكثير من التيارات الأدبية والفنية، ووصف يتناول الطقس أو المشوار الذي جمعه بفيتزجرالد إلى مدينة ليون، و رحلاته مع زوجته هادلي، كما لا يسعفه في أيامه تلك شيء أكثر من استعادة لحظات الكتابة وميلاد النص، أو رحلات التزلج الموسمية في المنتجعات الثلجية. ياله من عالم ذلك الذي عكف همنغواي على تدوينه، ويا لها من مائدة مشرعة للجميع...
الآن بوسعي أن أكتشفَ في مراقد باريس الشهيرة (البانثيون ومونمار)، فولتير وجان جاك روسو وفيكتور هيغو وبلزاك وديكارت وشامبليون وأندريه جيد، وطائفة لا حصر لها من المفكرين والفنانين والسينمائيين.
إنه أمرٌ لا يمكن لعقلٍ أن يحصره أو يفيض عليه، إنها المدينة التي اضطربت فيها عقولٌ وأرواحٌ كثيرة، مدينة شوبان وجورج ساند وفان خوخ وديبوسيه وفرانز ليست، إنها قائمةٌ تتناسل وتتوالد بلا انقطاع، هذه هي باريس التي سأتعقّبها وأعيد معمارها في وجداني، الآن يمكنني القول أن باريس هي مدينتي.

No comments:

Post a Comment