Wednesday, January 25, 2017

إلى «راباللو» مع النقيب «سيمونوني»


إلى «راباللو» مع النقيب «سيمونوني»
خرجنا من «فلورنسا»، في السابع من مارس، بعد أن انقلب الجوّ إلى أمطار وعواصف منعت جولتنا المعتادة، ها نحن في دروب إيطاليا ثانية ننشد الشمس، وهل هناك مكان أدفأ من راباللو، تجاذبنا أطراف الحديث وكان «انبيرتو إكّو» هو فاكهة المجلس؛ قرأ لي صاحبي مدخل روايته المذهلة، «قبر في براغ» وهي رواية تتحدّث عن النقيب سيمونوني بطل الرواية وسلبيّته المطلقة؛ فلو بحثت له عن خصلة من الخصال أو عن ميزة من الميزات لما وجدت شيئا وهو فاقد لكلّ عاطفة حبّ أو صداقة أو أخوّة، فهو يكره كلّ الشعوب وكلّ الملل، قرأ صاحبي: "من أكره؟ سأجيب دفعة واحدة: اليهود، ولكن بما أني أقبل، بخضوع العبد، إيعازات ذلك الدكتور النمساوي (أو الألماني)، فهذا يعني أنه ليس لدي شيئ ضد اليهود الملاعين.
لا أعرف عن اليهود إلّا ما علّمني إيّاه جدّي:- إنه الشعب الأكثر إلحاداً على الإطلاق، هكذا لقنني.
فكرتهم أنّ الخير يجب أن يتحقق هنا، وليس بعد الموت. ولذا فإنهم يعملون فقط للهيمنة على هذا العالم.
اكتأبت سنوات طفولتي بأشباحهم.
كان جدّي يصف لي تلك العيون التي تتجسّس عليك، فيها من النفاق ما يريعك، وتلك الابتسامات اللزجة، وتلك الشفاة المنسلخة على الأسنان مثل الضباع، وتلك النظرات الثقيلة، الكريهة والمقززة، وتلك التجاعيد بين الأنف والشفة دائماً قلقة، متحفزة من الحقد، وذلك الأنف مثل منقار طائر جنوبي قبيح .... والعين، آه، العين .... إنها تدور محمومة في الحدقة لون الخبز المحروق كاشفة أمراض كبد أفسدته مفرزات أنتجها حقد دام ثمانية عشر قرناً، وتنثني على تجاعيد رقيقة تتضخّم بفعل السنين، وعندما يصل إلى العشرين يصبح اليهودي ذابلاً كما لو كان ابن ستين، وعندما يتبسم، تنغلق أجفانه المنتفخة إلى حد أنّها لا تترك إلا خَطّا يكاد لا يرى، علامة على المكر، يقول البعض، علامة على الشبق، يدقق جدي ...
وحينما كبرت وصرت قادراً على الفهم كان يذكرني أنّ اليهودي، علاوة على كونه متعجرفاً مثل إسبانيّ، وجاهلاً مثل كرواتي، وطمّاعاً مثل مشرقيّ، وكافراً بالنعمة مثل مالطيّ، ووقحاً مثل غجريّ، وقذراً مثل إنكليزي، ولزجاً مثل قلموقي، ومتسلطاً مثل بروسي ونمّاماً مثل حِرَفيّ، هو زانٍ كضبع جامح، -وأقول من الختان الذي يحفزهم على كثرة النُّعوظ، مع تفاوت هائل في الحجم بين قزمية البدانة والضخامة الكهفية لتلك الزائدة المبتورة التي يملكونها.
لقد حلمتُ، أنا، باليهود كل ليلة، لسنوات وسنوات.
لحسن حظي أنّي لم ألتق أبداً أحدهم، ما عدا العاهرة الصغيرة في حارة اليهود بمدينة تورينو، عندما كنتُ طفلاً (ولكنني لم أتبادل معها أكثر من كلمتين)، والطبيب النمساوي (أوالألماني، وهو نفس الشيء)."
كانت السيّارة تنهب الطريق نحو «راباللو» ونحن نتذّكر اللحظة التي بلغنا فيها نبأ وفاة الكاتب الكبير في 19 فبراير في ميلانو عن عمر ناهز 84 سنة، ولقد صادف يوم تأبينه وجودنا في «ميلانو»، قلت لصاحبي لقد رأيت المخرج «بينيني» يخرج متخفيّا من «جراند هوتيل دا ميلان» الذي كنّا نقيم فيه، لعلّه كان هناك لحضور مراسم الدفن.
2-
وقرأ صاحبي الفقرة التالية من مقبرة براغ:
"أمّا الألمان فقد عرفتهم، بل وعملتُ لفائدتهم: أحطّ درجة في الإنسانية يمكن تصوّرها. الألماني ينتج، في المعدَّل، ضعف كمية بِراز الفرنسي. نشاط مُفْرِط لوظيفة الأمعاء على حساب وظيفة المُخّ، دليل على دونيّتهم الفيزيولوجية.
في زمن الغارات الهميجة، كانت الجموع الألمانية تملا طريقها بأكوام هائلة من المادة البرازية، ومن ناحية أخرى كان المسافر الفرنسي، حتى في القرون الماضية، يفهم على الفور أنه قد اجتاز الحدود الألزاسيّة من الضخامة الغير عادية للبِراز المتروك على جانبي الطريق.
ولا يكفي هذا من خاصية الألمان الصُنّان، أي رائحة العرق المقززة، وقد ثبت أن بول الألماني يحتوي على عشرين بالمائة من الأزوت بينما بول الأقوام الأخرى لا يتجاوز خمسة عشر بالمائة.
يعيش الألماني في وضع دائم من الحرج الأمعائيّ نتيجة الإفراط في شرب الجعة وأكل تلك المقانق من لحم الخنزير، التي يملأ بها جوفه، لقد رأيتهم ليلة، أثناء سفرتي الوحيدة إلى ميونخ، في تلك الحانات الشبيهة بكاتدرائيات نُزِعَتْ عنها القداسة، مدخّنة مثل مرفأ إنكليزي، ينضح منهم الشحم والدهن، وحتى اثنيْن اثنيْن، هو وهي، يشدان بقوة على تلك الأكواب من الجعة، التي تكفي وحدها لإرواء قطيع كامل من الفيلة، والأنف يلامس الأنف في حوار عشق بهيمي، مثل كلبيْن يشمّ أحدهما الآخر، بضحكاتهما المدوية والسمجة، وبدعارتهما الحنجرية الدنيئة، يلمعان بذلك الدهن الدائم الذي ينضح من الوجهْين، ومن الأعضاء مثل الزيت فوق جلدة المصارعين في السيرك القديم،
يملؤن أفواههم بذلك الـGeist الذي يعني الروح، ولكنه روح الجَعة، الذي يبّلد أذهانهم منذ الشباب وهذا يفسّر لماذا لم يُخلق أبداً، فيما وراء نهر الرّاين، شيء ذو أهمية في الفن، ماعدا بعض اللوحات التي تمثل وجوهاً قبيحة، وأشعاراً مملة إلى حد الموت.
دون الحديث عن موسيقاهم: ولا أتحدث عن ذلك المسمى فاغنر وضجيجه الجنائزي الذي يكسر حتى دماغ الفرنسيين ولكن حسب القليل الذي بلغ سمعي، تأليفات صاحبهم باخ الفاقدة تماماً للانسجام والباردة برودة ليالي الشتاء وسيمفونيات ذلك المدعو بيتهوفين التي هي حفل من الدعارة.
ويجعلهم الإفراط في الجعة عاجزين عن أي تصور لمدى سوقيتهم، ولكن أقصى حد في السوقية هو أنهم لا يستحون من كونهم ألماناً.
لقد وثقوا براهب جشع وفاجر مثل لوثر (هل يعقل أن يتزوج أحد راهبة؟)، فقط لأنّه عاث فساداً في الكتاب المقدس مترجماً إيّاه إلى لغتهم . مَن الذي قال أنهم أساؤا استخدام المخدِّرين الإثنين العظيمين الأوروبيّين، الكحول والمسيحية؟
يعتبرون أنفسهم عميقين لأن لغتهم غامضة، ليس لها وضوح اللغة الفرنسية، ولا تقول أبداً بدقة ما ينبغي أن تقول، وهكذا فلا يعرف أي ألماني أبداً ماذا يريد أن يقول – ويأخذ هذا الغموض على أنه عمق. مع الألمان لا نصل أبداّ إلى العمق، تماماً مثلما مع النساء.
لسوء الحظ أن هذه اللغة غير المعبرة ذات الأفعال التي يجب عند القراءة أن تبحث عنها بعينيك بقلق، لانها لا توجد أبداً حيث يجب أن تكون، قد أرغمني جدي على دراستها وأنا صغير – ولا غرابة في ذلك، وهو المتحمس للنمساويّين، هكذا كرهت تلك اللغة بقدر الكُرْه الذي أحسسته نحو ذلك اليسوعي الذي يلقنني إيّاها بالعصا على أصابعي.
اكتفيت بهذين النصين من مقبرة براغ، فيما أنشد دفء الشمس في رابللو، لعل أشعتها تحمل ما يذيب برود النقيب سيمونني الكاره لكل الشعوب وكل الملل

No comments:

Post a Comment