Friday, December 2, 2016

«رحلة إلى الإمارات: خواطر وارتسامات» لــ «سليمان القرشي»*

 
*جزء من رحلة للدكتور سليمان القرشي، الذي شارك مع د. سعيد الفاضلي في تحقيق الرحلة العياشية والتي نشرتها دار السويدي للنشر في مجلدين كبيرين قبل بضعة أعوام. وكان القرشي قد فاز بجائزة ابن بطوطة لأفضل عمل محقق في أدب الرحلات عام 2002 .
«كنت حريصاً على ارتداء الزي التقليدي المغربي، أثناء حفل تسلم جائزة ابن بطوطة، ولعل هذا ما جعل السيد سفير المملكة المغربية يتعرف عليّ بسهولة؛ ليهنأني بدبلوماسية رفيعة ولباقة عالية على الجائزة، وليسألني بعدها عن شخصي ومشاريعي المستقبلية في مجال البحث والدراسة.
ولقد استوقفني هذا عند علاقة الزيّ بالهويةظن وتساءلت للحين عن مصير اللباس في ظل العولمة!. كما أنّ روح صديقي الراحل الدكتور/ سعيد الفاضلي كانت تتأبطني، أحسست بها بقوة، واحترمت وجودها، وأعلنته للجميع من خلال الحديث المسهب عنه.
في دارة السويدي، وبحضور جمهور نوعي، تم الحديث أولاً عن مشروع #ارتياد_الآفاق وبرامجه وآفاق عمله، قبل أن يتم تسليمنا الجائزة، وخلال الكلمة التي أعطيت لي بالمناسبة، تحدثت كما يتحدث جميع المثقفين حين تتاح لهم الفرصة، طلبات وأمنيات وأحلام ومشاريع تتدفق مسابقة الزمن.
وأنا أتجول ببصري في رحاب الإقامة الودودة للسويدي، وأستمتع بدفء الحضور وحرارة الاستقبال، رددت بيت الشاعر الأندلسي الأعمى المخزومي بشيء من التحوير والتدوير:
"دار السويدي زي أم دار رضوان ما تشتهي النفس فيها حاضر دان".
كانت مداخلتي مبرمجة ثانية في اليوم المخصص لتقديم الأعمال الفائزة بجائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي بعد مداخلة الأستاذ/ شاكر لعيبي، كان وصولنا إلى #المجمع_الثقافي قبل الجميع، وخلال الهامش الزمني الذي سبق انطلاق الندوة عملنا على اكتشاف أروقة المجمع الزاهية وأجنحته الباهية، حيث تستعيد القراءة طقوسها المقدسة، ويغدو الجمال محتضنا لجميع الحواس، بحث شاكر لعيبي خلال هذه الجولة القصيرة عن مكان ليطلق فيه لسيجارته العنان، فلم يكن غير مدخل البناية العملاق حلبة لهذا التجاذب بين الإنسان والدخان، وفيما راح الدخان يسرح بحرية في الفضاء، كنت أسترجع العناوين الصادرة عن المجمع، وأستحضر من خلالها فعل الكتابة الأندلسي وفعل التحقيق المغربي وفعل الطباعة والإخراج المشرقي، تزاوج علمي رصين أثمر مجموعة من العناوين التي اتخذت حللاً زاهية تليق بمكانة الكتاب العربي وتحببه للقراء المفتقدين.
وفيما كانت صرامة الشاعر / نوري الجراح وهو يسير الجلسة تقف حاجزاً دون أسئلة عبد الله الحبشي التي أمطرت في اتجاه شاكر لعيبي، كنت أبحث عن الشاعر الموريتاني/ محمد ولد عبدي؛ لأجيبه عن سؤال حول مدى تأثير المذهب المالكي في تشكيل نظرة أبي سالم العياشي ـ صاحب الرحلة التي قمت بتحقيقهاـ لأهل المدينة المنورة، ولكنه اختفى عن الأنظار فجأة ليظهر ثانية في جلسة المساء ونحن في المصعد المؤدي لقاعة العروض، حاصرته بأسئلتي حول المجمع وطريقة عمله وبرامجه وكيفية التعامل معه وإمكانية النشر فيه...، والسبحة في يده، كان يجيب عن أسئلتي بلباقته المعهودة وصبره الصبور… وعلى أنغام خليجية انطلقت بنا سيارته في المساء لاكتشاف زوايا #أبوظبي، شدني الكورنيش ببهاء أضوائه ولطف أجوائه، أثارني ما ارتسم على صفحة المياه من أضواء، فيما اصطفت بنظام وانتظام على الجانب الآخر أبراج مشيدة تبدو حديثة العهد، وبمطعم لبناني فاخر كان تناولنا للكباب المشكل والتبولة وأكلات أخرى لبنانية كثرت فيها البهارات، وامتزجت فيها الروائح التي تذكر بشرق ألف ليلة وليلة.
انطلقت بنا السيارة بسرعة نحول #جبل_داد الذي حرص الشاعر #محمد_أحمد_السويدي على أن نقوم بزيارته، لدى خروجنا من أبو ظبي كانت معالم الصحراء تظهر تارة وتختفي أخرى، وانطلق صوت بالغناء، كان غناءً عراقياً شد بمواويله انتباه الجميع، وفيما ردد الكل مقاطع معروفة لفيروز، رحت والطائع الحداوي نردد مقاطع من أغنية عبد الوهاب الدكالي:
" ما أنا إلا بشر عندي قلب ونظر..."
لم يتجاوب معنا غير نوري الجراح، بينما راح علي كنعان ينظر نحونا وابتسامته تعلن عما يجول بخاطره من أسئلة عما نقو .. ، فيما راح الصحافي/ أحمد حيدري، يسألني عن كلمات الأغنية كلمة كلمة، ويسأل عن معرفتنا بالأغنية الإيرانية، وعاد الحديث معه مرة أخرى للموضوع ونحن بالشقة التي احتضنته فيها غرفة من غرفها الخمسة.
كان بيت الشاعر العربي طرفة بن العبد:
كَأَنَّ حُدوجَ المالِكيَّةِ غُدوَةً ** خَلايا سَفينٍ بِالنَواصِفِ مِن دَدِ
مؤثراً بشكل كبير في زيارتنا لجبل داد، ونحن الذين ألفنا الجبال وعلوها في المغرب ماذا سنكتشف من جديد هنا ؟.
كانت المدة الزمنية لبلوغ هدف الرحلة تتعدى الساعات الثلاث، لا أخفي قارئ هذه الورقات سراً إذا قلت إني حييت في شاعرنا العربي روحه الشاعرة المرهفة وتخليده شعرياً لهذا المكان أو لنظيره وهو الذي لم يكد يلامس في أحاسيسي شيئاً يذكر ... تذكرت بحثا لي عن علاقة الشعر العربي بالمكان، تذكرت كذلك أني لم أتمم الدراسة، فقر عزمي أن أعود إليها وأستثمر فيها شعر السويدي لكني خجلت أن أسأله إعطائي بعضاً من شعره، فكرم الرجل غمرنا، والمثل الدارج عندنا في المغرب يقول: إذا كان حبيبك عسل لا تلعقه كله.
كثيراً ما كنت أقرأ على مطبوعات مشروع ارتياد الآفاق عبارة "الصف الضوئي:#القرية_الإلكترونية"، فيذهب بي الخيال تحت تأثير الاسم إلى قرية كاملة مخصصة للمشروع، قرية من قبيل القرية السياحية أو القرية النموذجية أو القرية الرياضية أو غيرها من القرى التي نسمع عنها بين الحين والآخر، ولكن قريتنا هذه كانت شقة في برج لعله من الأبراج الأولى في أبو ظبي، شقة تضم أربع حجرات بمكاتب متعددة يشتغل فيها ما لا يزيد عن ستة أشخاص، أيمن حجازي الذي كان ودوداً للغاية، وناصر الذي رسم لي صورة بقلمه في أقل من خمس دقائق، ومحسن خالد الذي يذكرني دائما بشخوص الطيب صالح الروائية، هل لأنه سوادني الجنسية؟. ربما... والذي اختفى بدون مقدمات ولم أره إلا مرة واحدة أثناء مراسيم تسليم الجوائز... ومنذر الذي يتحرك باستمرار ويحرص على ضبط الأمور وتسجيل المواعيد في هاتفه النقال المتعدد الاختصاصات، والمايسترو نوري الجراح، هذه هي #القرية_الإلكترونية التي أخرجت عشرات الرحلات، وهذا هو الطاقم المشرف على هذا المشروع العربي الرائد، تحية إجلال وإكبار لهذه المجموعة التي عانت من أسئلتنا الملحاحة والكثيرة التي لا تحترم وقتاً ولا تراعي غير أنانيتنا الأدبية الضيقة... هنيئاً للشاعر/ محمد أحمد السويدي الذي وفق في إدارة خلية النحل هذه.
د. سليمان قرشي
باحث مغربي، دكتوراة في الأدب العربي
جامعة محمد الخامس بالرباط .

No comments:

Post a Comment